للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّرْكِ؛ فَيَثْبُتُ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِبَقَاءِ الْجَوَازِ قَائِمٌ، وَيَثْبُتُ أَنَّ نَسْخَ الْوُجُوبِ- لَا يُوجِبُ نَسْخَ الْجَوَازِ؛ فَيُوجِبُ الْقَوْلَ بِبَقاءِ ذلِكَ الْجَوازِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ

تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَاقِعٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ.

وَنَزِيدُهُ ههُنَا وَجْهَينِ آخَرَينِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّكْلِيفَ: إِمَّا أَنْ يَتَوَجَّهَ حَال اسْتِوَاءِ الدَّاعِي إِلَى الفِعْلِ وَالتَّرْكِ، أَوْ حَال رُجْحَانِ أَحَدِ الْجَانِبَينِ عَلَى الآخَرِ:

فَإِنْ كَانَ الأَوَّل: كَانَ هَذَا أَمْرًا بِتَحْصِيلِ التَّرْجِيحِ حَال حُصُولِ الاسْتِوَاءِ؛ وَهَذَا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ.

===

وعن الرابع: إنما تعين نفي الأخص؛ لأن المنع على خلاف الدليل، وبتقدير نفي الأخص فقط تكونُ المخالفةُ أَقَلَّ؛ فوجب المصير إليه، والله أعلم.

[قوله: "المسألة الرابعة عشرة]: تَكْلِيفُ مَا لا يُطَاقُ وَاقِعٌ" الخِلَافُ في هذه المَسْأَلَةِ في طريقين: في الجَوَازِ، والوُقُوعِ. وقدِ اختار صَاحِبُ الكِتَابِ: أنه واقع، وفي ضمنه اختيار الجَوَازِ.

ومَذْهَبُ المُعْتَزِلَةِ، وإمامِ الحرمين، والغزاليِّ: أنه لا يَجُوزُ.

ومذهب الأَشْعَرِيِّ: جوازه، ، وقد تردد النَّقَلَةُ عنه في وقوع ما جَوَّزَهُ.

قال الإمام: وهذا سوء معرفة بمذهبه؛ فإن التكاليف كُلَّهَا واقعةٌ على خلاف الاستطاعة.

وَبَيَّنَهُ من وجهينِ:

أولًا: أن قدرة العبد لا تأثيرَ لها في وقوع المَقدُورِ عنده، فهذا كُلَّفَ بالفعل فقد كُلَّفَ بفعل غيره.

ثانيًا: أن القدرة عنده لا تبقى زمانينِ، ولا توجد إلَّا مُقَارِنَةً للامتثال والتكليف بالفعل مُتَوَجِّهٌ قبل الامتثال، فقد كُلِّفَ بما لا قدرةَ له عليه. وما ذكره الإمام من الالتزام لا يمنع من تردد النقلة؛ فإن ما تئول إليه المذاهب لا يلزم أن يكونَ مذهبًا لقائله.

وهذه المسألة تذكر في أصلي الدِّين والفقه معًا؛ لِتَعَلُّقِهَا بهما: أما تعلُّقُها بأصول الدين: فإنَّ الأشعرية إذا أثبتوا عمومَ الصفات لله تعالى، وبيّنوا أن كل حادثٍ واقعَ فهو بمشيئة الله تعالى وقدرته.

قالت المعتزلة: هذا يلزم منه التكليف بالمحال؛ لأنه تعالى إذا أخبر بفعل، وهو مِن خلقه كان حاصِلُ التكليف به: افعلْ يا مَنْ لا فِعْلَ له، أو افعلْ ما أنا فاعل، وهذا عَينُ التكليف بالمحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>