للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُختَارُ -عِنْدَنَا-: أَن تَصَوُّرَ مَاهِيَّةِ الْخَبَرِ تَصَوُّرٌ بَدَهِيٌّ؛

وَالدَّلِيلُ عَلَيهِ: أَنَّ كُلَّ مَا يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ صِدْقٌ، كَقَوْلِنَا: الْوَاحِدُ نِصْفُ الاثْنَينِ، وَهذَا خَبَرٌ خَاصٌّ، وَتَصَوُّرُ الْخَبَرِ الْخَاصِّ مَوْقُوفٌ عَلَى تَصَوُّرِ أَصْلِ الْخَبَرِ؛ فَلَمَّا كَانَ تَصَوُّرُ الْخَبَرِ بَدَهِيًّا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَصَوُّرُ أَصْلِ الْخَبَرِ بَدَهِيًّا.

الْمَسْألَةُ الثَّانِيَةُ

الْخَبَرُ إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ كَوْنُهُ صِدْقًا، وَإِمَّا أَنْ يُعْلَمَ كَوْنُهُ كَذِبًا، وَإمَّا أَنْ يُتَوَقَّفَ فِيهِ:

أَمَّا الَّذِي يُعْلَمُ كَوْنُهُ صِدْقًا، فَهُوَ عَلَى قِسْمَينِ؛ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ أَوَّلًا حُصُولُ الْمُخبَرِ عَنْهُ، فَيُسْتَدَلُّ بِذلِكَ عَلَى كَوْنِ الْخَبَرِ صِدْقًا، وَإِمَّا أَنْ يُعْلَمَ أَوَّلًا كَوْنُ الْخَبَرِ صِدْقًا، ثُمَّ

===

لأنه جعل جِنْسَ الخَبَرِ القَوْلَ، وهو أَعَمُّ من الكَلَامِ الاصْطِلَاحِيِّ. ومن قال فِي حده: هُوَ الكَلَامُ المَحْكُوم فيه بنسبة خَارِجِيَّةِ؛ ليخرج التعجب، والطَلب، والاستفهام، وسائر الإنشاءات- فلا بَأْسَ به، وقد احترز فيه عن السؤالين.

قوله: "وَالمُختَارُ: أَنَّ تَصَوُّرَ مَاهِيَّةِ الخَبَرِ تَصَوُّرٌ بَدهِيٌّ، والدليل عليه: أن كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بالضرورة صِدْقَ قَوْلِنَا: الوَاحِدُ نِصْفُ الاثنين، وهذا خَبَرٌ خَاصٌّ، وتصور الخَبَرِ الخاص مَوْقُوفٌ على تَصَوُّرِ أَصْلِ الخَبَرِ، فلما كان تَصَوُّرُ الخَبَرِ الخَاصِّ بدهيًّا، وَجَبَ أن يكون تَصَوُّرُ أصل الخَبَرِ بدهيًّا":

يقال له: لا يَلْزَمُ من الحُكْمِ على الشَّيءِ بأنه ثابت بالضَّرُورَةِ، تصور مَاهِيَّتِهِ بالضَّرُورَةِ؛ لما علم أن الحُكْمَ على الشَّيءِ إنما يَتَوقَّفُ على الشُّعُورِ به من وَجْهِ ما، وقد تَمَيَّزَ الشَّيءُ عن غيره بالأمُورِ الخارجية الخَاصَّةِ به؛ فإنا نَعْلَمُ بالضرورة وُجُودَ أَرْوَاحِنَا، وإن لم نتصور مَاهِيَّتِهَا، ونُوقِشَ فِي دَعْوَى الضَّرُورَةِ، والاستدلال عليها.

وأُجِيبَ عنه بأن ذلِكَ للتَّمْثِيلِ، أو بأنه لا يَلْزَمُ من العِلْمِ بالشيء ضَرُورَةَ العِلْمُ بكيفيته ضرورةً، ثم ما ذكره لا يَمْنَعُ من الحَدِّ اللفظي، فلعله مُرَادُ الأَصْحَابِ.

فإن قيل: قد قررتم أن الخَبَرَ قِسْمٌ من أقسام الكلام، وأنه مُبَايِنٌ للأَمْرِ، والنهي، وغيرهما، وجميع السُّنَّةِ تسمى أخبارًا وإن اشتملت على الأَوَامِرِ والنَّوَاهِي.

قلنا: إِطْلَاقُ ذلك عليها لَا بِاعْتِبَارِ إِشْعَارِهَا، بل من وَجْهَينِ آخرين:

أحدهما: أن الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - أَخبَرَ عن اللهِ -تعالى- أنَّه أَمَرَ بها، أو نهى عنها، أو لأنه أخبر بها.

الثاني: أن طَرِيقَ وُصُولِهَا إلينا بِإِخْبَارِ من سَمِعَهَا منه، صَلَّى الله عليه وسَلَّم.

قوله: "المسألة الثانية: الخَبَرُ إما أن يعلم كَوْنُهُ صِدْقًا، أو يعلم كَوْنُهُ كذِبًا، أو يتوقف فيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>