يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُقُوعِ الْمُخبَرِ عَنْهُ:
أَمّا الْقِسْمُ الأَوَّلُ: فَهُوَ مَا إِذَا عُلِمَ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ أَوْ بِالحِسِّ أَوْ بِالدَّلِيلِ- حُصُولُ شَيءٍ؛ فَإِذَا أُخبِرَ عَن حُصُولِهِ؛ فَحِينَئِذٍ يُعْلَمُ كَوْن ذلِكَ الْخَبَرِ صِدْقًا.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا إِذَا عُرِفَ -أَوَّلًا- كَوْنُ الْخَبَرِ صِدْقًا، ثُمَّ يُستَدَلُّ بِذلِكَ عَلَى حُصُولِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ-: فَهذَا عَلَى أَقسَامٍ:
===
يعني بالتوقف: عدم الجَزْمِ بأحدهما، وهذا القِسْمُ يَنْقَسِمُ أَيضًا إلى ثلاثة أَقسَامٍ:
إلى ما يتَرَجَّحَ فيه احْتِمَالُ الصِّدْقِ؛ كخبر العدل، وإلى ما يترجح فيه احْتِمَالُ الكَذِبِ؛ كخبر من عُرِفَ بالكَذِبِ، وإلى ما لا يَتَرجَّحُ فيه أَحَدُهُمَا؛ كخبر المَجْهُولِ الحَالِ.
قوله: "أما الَّذي يعلم كونه صِدْقًا، فهو على قِسْمَينِ؛ لأنه إما أن يعلم أولًا حصول المُخْبَرِ عنه، فَيَستَدِلُّ بذلك على كون الخَبَرِ صِدْقًا، وإما أن يُعْلَمَ أَوَّلًا كون الخَبَرِ صِدْقًا، ثم يَسْتَدِلُّ به على وُقُوعِ المُخبَرِ عنه":
يعني: أنَّه يعلم صِدْقَ الخَبَرِ أَوْلًا؛ لعلمه بِصِدْقِ المخبر؛ فإن بين صدق الخبر وصادقية المخبر ملازمة من الطرفين؛ فيستدل بِثُبُوتِ أحدهما على ثبوت الآخَرِ وبنفيه على نفيه؛ فصدق المُخْبِرِ يَسْتَلْزِمُ صِدْقَ الخَبَرِ، وصدق الخبر يَسْتَلْزِمُ حُصُولَ المُخْبَرِ عنه.
قوله: "أَمَّا الأَوَّلُ فإنه إذا علم بِبَدِيهَةِ العَقْلِ أو بالحِسِّ أو بالدَّلِيلِ، حُصُولُ شَيءٍ- فإذا أخبر عنه؛ فحينئذ يُعْلَمُ كَوْن ذلك الخَبَرِ صِدْقًا:
مثال الأَوَّلِ: الإِخْبَارُ بأن النَّفْيَ والإثبات لا يَجْتَمِعَانِ، ولا يرتفعان.
ومثال الثاني: الإخْبَارُ بأن السَّمَاءَ فوقنا والأَرض تَحْتَنَا، وَيَقْرُبُ من هذا النَّوْعِ الإِخْبَارُ عن الوجدانيات؛ كالإِخْبَارِ بأن الإِنْسَانَ يَلِدُ، وَيألَمُ، ويفرح، ويحزن.
ومثال الثالث: الإِخْبَارُ بأن العَالمَ حَادِثٌ، وصانعه قديم. ومن أَنْوَاعِهِ أَيضًا الإِخْبَارُ بالعُلُومِ عَادَةً؛ كالإِخبار عن إِنْسَانٍ نشاهِدُهُ بأنه مَخلُوقٌ من أبوين، أو بأن الموتى الآن لم يُنْشَرُوا.
قوله: "وأَمَّا القِسْمُ الثَّانِي -وهو ما إذا عرف أولًا كون الخبر صِدْقًا، ثم يستدلُّ بذلك على حُصُولِ المخبر عنه- فهذا على أقسام: الأول: خبر الله -تعالى- فإنه يَجبُ أن يكون صِدْقًا: يعني: فِي سائر الأَدْيَانِ، وإن اختلفت مآخذهم.
قوله: "لأن الكَذِبَ صِفَةُ نَقصٍ، وهو على الله -تعالى- مُحَالٌ. والعلم به ضروري":