للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَةُ

إِذَا دَارَ اللفظُ بَينَ الْحَقِيقَةِ المرجُوحَةِ وَبَينَ المَجَازِ الرَّاجِحِ -لَم يَتَعَيَّنْ لأَحَدِهِمَا إلا بِالنيةِ؛ وَذَلِكَ لأن كَوْنَهُ حَقِيقَة يُوجِبُ الْقوةَ، وَكَوْنَهُ مرجُوحًا يُوجِبُ الضعفَ وَأَمَّا الْمَجَازُ الراجِحُ: فَكَوْنُهُ مَجَازًا يُوجِبُ الضعفَ، وَكَوْنُهُ رَاجِحًا يُوجِبُ الْقُوةَ؛ فَيَحصُلُ التعَارُضُ بَينَهُمَا؛ فَلَا يَتَعينُ لاحَدِهِمَا إلا بِالنيةِ.

===

أو المقابلة؛ كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠]، أَوْ إطلاقُ المتعلّق على المتعلق، كقولك: "اللهم اغفر لَنَا عِلْمَكَ فِينَا"، أي: معلُومَكَ، و"انظُر إِلى قُدَرةِ الله"، أي: مَقدُورِ الله تعالى، وإطلاقُ ما بالفعلِ على ما بالقُوةِ؛ كقولهم للسيف: قاطع، وهو في غِمدِهِ.

ومن المجاز أيضًا: إطلاقُ اللفظِ على ما يشابِهُ مسمَّاهُ سورة، أو معنى؛ كإطلاقِ "الأسدِ" على ما يماثله في الصُّورة، وعلى الشجَاع؛ لمشابهته في المعنَى؛ ويسمى هذا بالمستَعَارِ. وَمِنَ المجازِ تَسمِيةُ الشيءِ بِضدهِ؛ كتسمية المهلكةِ مفازَةً.

وهذا الحصر استقرائي.

[قوله]: "إذا دَارَ اللفظُ بَينَ الحقيقةِ المرجُوحَة، والمَجَازِ الراجحِ -لم يتعين لأحدهما إلا بالنيةِ". هذه المسألةُ لم يحرر صورتَها، ولم يحسن تمثيلَها، وبالجُملةِ فاللفظُ إذا كان له حقيقةٌ واحدة لغوية، ومجازٌ، أو مَجَازَانِ فصاعدًا، ولم يَكثُرِ استعمالُهُ في شيء من مجازاته- فلا خِلافَ أنه عندَ إطلاقه لا يُحمَلُ على أحدهما إلَّا بنية أو قرينة، وأنه لا يُحمَلُ علَى مجازه إلا بنية أو قرينة.

وإنْ كان له حقيقتان لُغَويَّتَانِ فصاعدًا، ولم يَكثُرِ استعمالُهُ في -شيءِ مِنْ مجازه- فلا خلافَ أنه عِندَ إِطلاقه لا يحمَلُ على أحَدِهِما إلَّا بنية أو قرينة. كان أكثر استعمالُ اللفظِ في شَيءٍ من مجازاته، سواء كانَت له حقيقة واحدة أو حقيقتان -فلا يخلو: إِما أن يَربُوَ على الحقيقة إلى حَدّ يصيرُ هو السابِق إلى الفهمِ عند الإِطلاق، وهو المسمى بالحقيقة الشرعية، أو العرفية- انعكس الحُكمُ ولا يحمل على حقيقته اللغوية، إلا بنية أو قرينة، ولا يحتاجُ في حَملِهِ على مجازه الشرعي أو العرفي إلى نية أو قرينة. وإن كان قد كَثُرَ استعمالُهُ حتَّى ساوى الحقيقةَ اللغويةَ، ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>