الْمَسْألَةُ السَّابِعَةُ
اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ:
فَنَقُولُ: قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ القُرْآنَ وَافٍ بِبَيَانِ جَمِيعِ الأَحْكَامِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا؛ فَلَوْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اقْتَصَرُوا عَلَيهِ، لَخَفَّتِ المَئُونَةُ وَسَهُلَ الطَّرِيقُ، إلا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا مَسْأَلَتَينِ:
إِحْدَاهُمَا: تَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.
ثَانِيَتُهُمَا: تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ.
فَلأَجْلِ هَاتَينِ الْمَسْأَلَتَينِ؛ عَظُمَ الْخَطْبُ، وَكَثُرَتِ الْمَذَاهِبُ، وَتَشَعَّبَتِ الأَقْوَالُ، وَقَرُبَتْ مِن أَنْ تَصِيرَ غَيرَ مُتَنَاهِيَةٍ.
===
القيَاسِ إدراجُ خصوصٍ تحْتَ عمومٍ؛ بحيث يكونُ مندرجًا تحْتَ خصوصٍ؛ كإدراج خصوصِ النبيذِ تحْتَ عمومِ الإسْكَارِ المندرجِ تحت خُصُوصِ الخَمْرِ، ولا يُعْقَلُ ذلك مَعَ اختلافِ الحُكْمِ.
الشرط الثالث: أَلَّا يكونَ مَنْسُوخًا؛ لأنَّا إنَّما نعدي بالوصفِ الجامع، بناءً عَلى المساواةِ، وَإِذَا نُسخَ الحكمُ، فقد زال الاعْتبارُ.
ومثاله: قياسُ أبي حَنيفَةَ صِحَّةَ صوم رمضان بنية من النَّهَار على صَوْمِ يَوْمِ عاشُورَاءَ بعد نَسْخِ وجوبه إن صَحَّ وجوبه، ويمكنُ أن يقَال على المثالِ المذكورِ: إن المنسوخ عَينُ اليومِ، ووُجُوبُ أصْلِ الصومِ بشرائطه باق لم ينسخ؛ فيصحُّ هذا القياس، ويلتفت البحثُ فيه إلى أنَّ نسْخَ الأَخَصِّ هل يستلزمُ نَسْخَ الأعَمِّ أَوْ لا؟ قد سبق البَحْثُ فِي أنَّه إذا نُسِخَ الوجوبُ، هل يبقى الجوازُ أوْ لا؟
وشَرَطَ قوْمٌ أنْ يكُونَ ثبوتِيًّا، والحق أنَّه قد يكون عَدَمًا، فالنفْيُ والمانِعُ قياسٌ فيمَا لَهُ عَرَضِيَّةُ الثبوتِ، وقياسُ الدَّلالةِ يَجْرِي فيه أيضًا، وأما المنفيُّ بالأصل، فلا يَجْرِي فيه قياسٌ؛ إِذ انتفاؤهُ لانتفاءِ المُثْبَتِ.
وأما الأصلُ فله شروط:
الأوَّلَ: أن يكونَ دليلُهُ من النصِّ أو الإجماع ظاهرًا عليه قطعًا، لا يتناول الفرع بمنطوقه، وإلَّا فليس جعل البُرِّ أصلًا للشَّعير فِي منع التفاضُل أولَى من العكس، مع نصِّ الشارع عليهما معًا.
الثاني: أن يكونَ مُتَّفَقًا عليه بَينَ الخَصْمَينِ، فإنْ قَاسَ عَلَى أصْلٍ مختَلَفٍ فيه: فإنْ كان