الحكْمُ فيه مَقُولًا علَى مَذْهَب الخَصْم لم يصحَّ؛ لأن حاصله تَخْطِئَةُ الخَصْم فِي الفرع؛ لأجْلِ تصويبه فِي الأصْلِ، ولأنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يُعَيِّنَ لتلك المسألةِ عِلَّةً على أصْلِهِ، وليس للمستدلِّ نقل الكَلَام إِلَى تلْكَ المَسْأَلة، وإبطالُ ما عَلَّلَ به فيها الإفضاء إلَى عدَمِ الانضباطِ، وإن كان الحُكْمُ فِي الأَصْلِ مَقُولًا به علَى مذْهَب المستدِلِّ، والخَصْمُ ينازِعُهُ أيضًا فيه- فَقَدِ اختَلَفَ النُّظَّارُ فِي صحة القياس علَيهِ:
والجمهورُ علَى أنَّه لا يصحُّ مطلقًا.
وقيل: يصحُّ. وقيل: يُنْظَرُ: فإن أثبته بنَصٍّ أو إجماع، صحَّ، وإن أثبته بقياسٍ، لم يَصِحَّ؛ لأنه إذا قيل: حصل الأصْلُ فرعًا لأصْلٍ آخَرَ، فلا يخلو إما أن يجمع بعين الجَامِعِ الأوَّل أو بغيرِهِ: فإن جمع بعَينِ الجَامِعِ الأوَّلِ، فقد وقع القياسُ الأَوَّلُ لغوًا مِن غير فائدةٍ؛ كما لو قاس التُّفَّاح على السَّفَرْجَلِ فِي منع التفاضل بجامع أنَّه مطعوم، فنوزع فِي حكم السفرجل، فقاسه على التمر المنصوصِ عَلَيهِ؛ بجامع أنَّه مطعومٌ، وإن كان بغير الجامع، فقد أقحم نَفْسَهُ؛ إذ فَرَّق بين أصله الأوَّلِ ومَحَلِّ النزاعِ بالجامع الَّذي عَيَّنه ثانيًا؛ كما لو قال: المُسْلِمُ لا يُقْتَلُ بالذِّمِّي، لاختصاصِهِ بفضيلةِ الإسْلَام؛ كالمعاهَد، فَمَنَعَ الحُكْمَ فِي المعاهَدِ مثلًا، وقاسَهُ على الدَّرَارِي والنِّسْوَانِ، بجامع أن الصادرَ منه قَتْلٌ- تمكَّنت منه الشبهَةُ.
الشَّرْطُ الثالث: ألا يكُونَ الاتفاقُ فِي الأصْلِ عن تركيب؛ أعني: أن الاتفاقَ فِي الأصلِ تركيب على عِلَّتين مختلِفَتَينِ، والتركيبُ علَى قِسْمَينِ تركيبٌ فِي الأَصْلِ، وتركيبٌ فِي الوَصْفِ:
أما الأول: فكما قَال الشافعيُّ - رضي الله عنه -: لا يُقْتَلُ الحُرُّ بالعبد؛ لأنَّ اختصاصَ القاتِلِ بفضيلَةِ الحُرِّيَّةِ مانعٌ من القِصَاصِ؛ كما لو قَتَلَ عَبْد نَفْسِهِ، أو المُكَاتَب. فيقولُ الخَصْم: إنما لم أَقْتلْهُ بعبدِ نَفْسِهِ؛ لاتِّحَادِ المستَحَقِّ والمستَحِقِّ؛ لأنَّه لا يملكُ القِصَاصَ على نَفْسِهِ، وإنما لم أقتلْهُ بالمكاتَبِ؛ لإبهام المستَحِقِّ أهو السَّيِّدُ أم الوارِثُ؟ فإنَّ صورة مسألة الأصْل: إذا مات المُكَاتَبُ، وفِي تَرِكَتِهِ وفاءٌ، فمسألتنا أن العلَّتَينِ إنْ صَحَّتا امتَنَعَ الإلْحَاقُ، وإن بَطَلَتَا، منعت