الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ
لَا يَجِوزُ العَمَلُ بِرِوَايَةِ الْمَجَاهِيلِ؛ خِلافًا لأبَي حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ الله.
لَنَا: أَنَّ النَّافِيَ قَائِمٌ، وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْوُثُوقَ بِصِدْقِ مَنْ كَانَ مَعْلُومَ الْحَالِ أَشَدُّ مِنَ الْوُثُوقِ بِصِدْقِ مَنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ.
===
[قوله: المسألة السادسة] "لا يجوز العَمَلُ برواية المَجَاهِيلِ، خلافًا لأبي حَنِيفَةَ، لنا: في المَسأَلَةِ أن النَّافِي للعمل قَائِمٌ، والفَرْقُ هو أَنَّ الوُثُوقَ بِصِدْقِ مَنْ كَانَ مَعْلُومَ الحال أشد من الوُثُوقِ بصدق من كان مَجهُولَ الحَالِ": اعلم أن العمل بخبر الوَاحِدِ له شروط: منها: ما يَرْجِعُ إلى المُخبِرِ. ومنها: ما يرجع إلى المُخبَرِ عَنْهُ. ومنها: ما يرجع إلى الخَبَرِ.
فأما ما يَرْجعُ إلى المُخْبِرِ فخمسة:
الأول: العَقْلُ، فلا تُقْبَلُ رِوَايَةُ المَجْنُونِ، وغير المُمَيَّزِ بالإجماع؛ لعدم الفَهْمِ والضبط.
الثاني: البُلُوغُ، فلا يُقبَل خَبَرُ الصبي المُمَيِّزِ الضابط عند الجمهور، وهو الأصح؛ لأنه إذا لم يُقْبَلِ الفَاسِقُ مع خَوْفِهِ من العِقَابِ على الكذب؛ فلأن لا يُقْبَلَ الصَّبِيُّ مع اعْتِقَادِهِ عَدَمَ العِقَابِ على الكَذِبِ -أوْلَى، ولأنه لا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ على نفسه في نفسه، فلا يُقْبَلُ على غَيرِهِ، ولا يَنْتَقِضُ بالعَبْدِ والمغمى عليه إذا قيد بما ذكر.
قال الإمام وغيره: ولأن المُعْتَمَدَ في العَمَلِ بخبر الواحد ما علم من سِيرَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - وسيرة الصحابة، ولم يُنْقَل أنه كان يَبْعَثُ صبيًّا، ولا عن الصَّحَابَةِ مُرَاجعَةُ الصبيان.
واعترض عليه بأنه كان لا يَبْعَثُ العَوَامَّ أيضًا، وقد قبلتم أَخْبَارَهُمْ.
وقال القاضي: لا أَقْطَعُ برد الصَّحَابَةِ رِوَايَتَهُمْ.
قال الغزالي: ونحن قَاطِعُونَ بذلك، ولو كانت مَقْبُولَةً لما عُطِّلَتْ رِوَايَتُهُمْ وهم شَطْرُ الأُمَّةِ.
فإن قيل: كيف لا تقْبَلُونَ خَبَرَ الصَّبِيِّ الضَّابِطِ وقد حَكَمْتُم بِصِحَّه الاقتِدَاءِ به، وفيه اعْتِبَارُ صِدْقِهِ في الطَّهَارَةِ، ولم يزل السَّلَفُ يعتمدون على أَخبَارِهِمْ في الإِذْنِ في الدُّخُولِ، وقَبُولِ الهَدِيَّةِ، وقبلتم إسْلامَهْمْ، وقد أَجْمَعَ عُلَمَاءُ "المدينة" على قَبُولِ شَهَادَةِ بعضهم على بَعْضٍ في