الحُكْم فِي الأصْلِ؛ فإِني لم أقُلْ بالحُكْم إلَّا على ذلك التقْدِير.
وأما التركيبُ فِي الوصْفِ: فكقولِ الشافعيِّ -رحمه الله- بِانْدِرَاجِ الثمرةِ غَيرِ المُؤبَّرة تحت مُطْلَقِ البَيعِ؛ لاعتقاده أنَّها إذا لم تُؤَبَّرْ، فهي بمَنْزِلَةِ الجزء من البَيعِ، وإذا أبِّرَتْ، فهي مستقلَّةٌ وقد ساعد الحنفي على اندراجها فِي الأخذ بالشُّفعة، فيقول: ما يندرجُ تَحْتَ استحقاقِ الشَّفِيع يندرجُ تحْتَ مطلقِ العَقْدِ؛ بجامع الجُزئِيَّةِ، فيقولُ الحنفيُّ: عِلَّةُ الاندراجِ عندي فِي الشُّفْعَة دفع ضررِ المداخَلَةِ، وكذلك أقولُ: إنَّ الشفيع يأخُذُ المؤبَّرة أيضًا لهذه العِلَّةِ لا لِلْجُزئِيَّةِ؛ فإن صَحَّ فِي الأصلِ وجُودُ هذه العِلَّةِ- امتَنَعَ قياسُ مُطْلَقِ البَيعِ على الشُّفْعة، وإن لم يصحَّ وجود الضررِ، قلْتُ بعدم التبعيَّة والاندراج.
فإذا تقرَّر معنى التركيبِ، فقد اختَلَفَ النُّظَّار فِي صِحَّة هذا القياسِ: فمنعه القاضِي وجماعة، وصحَّحه الأسْتَاذُ أَبو إسحاق فِي جماعةٍ، وغلا حَتَّى قَدَّمَهُ على قياسِ غَيرِ التركيبِ؛ قال: لأنه أَبْعَدُ عن الاعتراضاتِ.
قال: ولأنَّ الغَرَضَ من المناظرة التضييقُ على الخَصْم، وتنقيحُ الخواطِرِ من المشكلاتِ، والتركيبُ أقوَى فِي تحصيل هذا الغرضِ، نَعَمْ: لا يُعَوِّلُ عليه المجتهدُ، ولا يُمَكِّنَوا الخَصْمَ من المنع.
قالوا: لأن اتفاق الخصمَينِ على حكمِ الأصْلِ يتنزل منزلة اتفاقِ الأُمَّة عليه؛ فكما لا يجوزُ مَنْعُ حُكمِ الأصْلِ بَعْدَ اتفاقِ الأُمَّة؛ فكذلك لا يسوغ منْعُ حُكْم بَعْدَ أن سلمه مَنِ التزم الذَّبَّ عنه، ولَيسَ له تخطِئَتُهُ فِي مسألةٍ لتصويبه فِي مسألةٍ أخرَى؛ لعجرة عن نصرته فِي المسألتين، ولَعَلَّ مَنْ يَذُبُّ عنه لا يعتقدُ نفْيَ الحكْم فِي الأصل بحالٍ، أو يعتقدُ انتفاء الحكْمِ فِي الفرع؛ لوجُودِ مانِعٍ راجحٍ يخصُّه، ويكفي المعترِضَ ما أبداه فِي الأصْلِ فَارِقًا، وعلى المُسْتَدلِّ إِبْطَالُهُ، ليصحَّ الجمعُ.