للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ

شَرْطُ الْمَجَازِ حُصُولُ الْمُلَازَمَةِ الذِّهْنِيَّةِ؛ لأَنَّهُ إِذَا حَصَلَ لَفْظٌ يُفِيدُ مَعْنًى، فَهُنَاكَ أَمْرَانِ: اللَّفْظُ وَمَعْنَاهُ، فَإذَا لَمْ يُفِدِ اللَّفْظُ ذلِكَ الْمَعْنَى الثَّالِثَ، وَلِمْ يَكُنْ فَهْمُ مَعْنَاهُ مُسْتَلْزِمًا لِفَهْمِ ذلِكَ الثَّالِثِ -امْتَنَعَ حُصُولُ فَهْمِ ذلِكَ الثَّالِثِ؛ فَثَبَتَ أنَّ شَرْطَ الْمَجَازِ حُصُولُ المُلَازَمَةِ الذِّهْنِيَّةِ؛ فَالْمُلَازَمَةُ الذِّهْنِيَّةُ عَلَى ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: اسْتِلْزَامُ الْعِلَّةِ الْمَعْلُولَ.

وَثَانِيهَا: اسْتِلْزَامُ الْمَعْلُولِ الْعِلَّةَ، لَمَّا كَانَ النَّوْعُ الأوَّلُ مِنَ الْمُلَازَمَةِ أَقْوَى مِنَ النَّوْعِ الثَّانِي- كَانَ الأَوَّلُ رَاجِحًا عَلَى الثَّانِي، عِنْدَ حُصُولِ التَّعَارُضِ.

وَثَالِثُهَا: مُلَازَمَةُ الشَّيئَينِ الْمُتَسَاويينِ؛ كَمَا فِي الْمُتَضَايِفَينِ وَكَمَا فِي الضِّدَّينِ؛ فَإِنَّهُ عِنْدَ

===

ومعنى: قوله: "الملازمة الذِّهنية: أنَّ الذهن ينتقل مِنْ فهم إلى فهم من غير واسطة":

احتراز من اللازم البعيد؛ فإنه لا يصحُّ استعماله فيه كملازمة الجَوْهر للعرض؛ فإنه يحتاج إِلى أوساط، فلا يصِحُّ إِطلاق أحدهما لإرادة الآخر.

واشتراط المُلَازمة الذهنية متقق عليه فِي صحة المجاز.

وهل يُشترط فِي صِحّته استعمال العرب له؟

فيه خِلَافٌ:

منهم من قال: هو شَرْطٌ، والأصح إطلاقُ النخلة على الطويل من الآدميِّينَ، ولكان إِثبات اللغة بالقياس.

وأُجِيبَ: بمنع الأوَّل، وَبِمَنْعِ أن يكون قِيَاسًا، بل ذلك استقراءٌ تام، علم منه صحة الإطلاق عند وجود المصحح؛ كما علم رفع كُل فاعل، ونصب كل مفعول.

قوله: والملازمةُ على ثلاثة أَقْسام:

استلزام العِلَّة المعلول، واستلزام المعلول العلة.

مثالُ ذلك: أَنَّ النظر يطلق، ويرادُ به تقلِيبُ الحدقة نحو المرئي.

ويطلق ويراد به نفسُ الإِبْصار، والأول سَبَبٌ فِي الثاني، فإذا جُعِلَ حقيقةً فِي تقليب الحَدَقَةِ مجازًا فِي الإِبصار- كان هذا المجازُ مِنْ إطلاق السبب على المُسَبِّب، وإذا عكس كان مِن إطلاق المسبب على السبب.

قال: والأول أَوْلَى؛ لاستلزام العِلَّة المعينة المعْلُولَ المُعَيَّنَ، واستلزامُ المعلول المعين مطلق العلة؛ لجواز تحليل الواحد بالنوع بالعِلَلِ المختلفة.

قوله: "وثالثها: مُلَازمةُ الشَّيئَين المُتَساويينِ"، يعني: وليس أحدهما سببًا فِي الآخر "كما فِي المتضايِفَين" يعني: كالأُبوّة والبُنوّةِ، ومتى فُهِم أَحَدُهما، فُهِم الآخرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>