للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ حُجَّةٌ.

وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الشَّيءِ مَعْدُومًا أَوْ مَوْجُودًا، يَقْتَضِي ظَنَّ بَقَائِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالةِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ.

وَيَدُلُّ عَلَيهِ وُجُوهٌ:

الأَوَّلُ: أَنَّ الشَّيءَ -حَال بَقَائِهِ- غَنِيٌّ عَنِ الْمُؤَثِّرِ؛ إِذْ لَوْ حَصَلَ لَهُ مُؤَثِّرٌ، لَكَانَ تَأْثِيرُهُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي شَيءِ صَدَقَ عَلَيهِ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذلِكَ؛ فَحِينَئِذٍ: يَكُونُ تَأْثِيرُ ذلِكَ الْمُؤَثِّرِ فِي تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ؛ فَهُوَ مُحَالٌ. أَوْ فِي شَيءِ صَدَقَ عَلَيهِ أَنَّهُ مَا كَانَ قَبْلَ ذلِكَ؛ فَحِينَئِذٍ: يَكُونُ تَأْثِيرُهُ فِي الْحَادِثِ لَا فِي الْبَاقِي.

===

قوله: "المسألة الثالثة: "الاستصحاب" اسْتِصْحَابُ الحَالِ حُجَّةٌ.

ومعناه: أنَّ العِلْمَ بِكَوْن الشَّيءِ موجودًا أو معدومًا يقتضي ظَنَّ بقائه علَى تلْكَ الحالِ في الماضي والمستَقْبَلِ":

اعْلَمْ: أن استصحاب الحَالِ على ثلاثةِ أَقْسامٍ:

الأوَّل: استصحاب الْبَرَاءَةِ الأصليَّة، وهو دليلٌ صحيحٌ؛ إذا قرر بشروطه، يفزع إليه المجتَهِدُ، ويعتمد علَيه بَعْدَ بَذْلِ الوسعِ في طلب المعنى، وَعَدَم اطلاعه عليه؛ كالاحتجاج على اختصاصِ طهارةِ الجُنُبِ بالماءِ، ونفي وجُوبِ الوتْرِ، والأضحيةِ وزكاةِ الخَيلِ، والْخَضْرَاوَاتِ، وغَيرِ ذلك؛ فأدلَّة ثبوتِ الحُكْمِ النَّصُّ والإجماعُ والقياسُ، وينضاف إلَيها في مدارِكِ النَّفْي استصْحَابُ البراءَةِ, , وأما ضُرُوبُ الاستدلالِ فما عدا ذلك، فَيَرْجِعُ إلَى الاستدلال بلوازم هذه الأدلَّةِ، والمَعْنِي بالرجُوعِ إلى البراءة أنْ لا حُكْمَ، ومَنْ زَعَمَ أنَّ الأفعال قَبْلَ ورودِ الشَّرْعِ على الحَظْرِ، أو الإباحةِ بِمعنى التسوية، والدَّلالةِ على الإذْنِ أو الوَقفِ؛ لِعَدَمِ الاطلاعِ علَى حُكْمٍ ثابتٍ فيها - فجميعُ ذلكَ مَبْنِيٌّ علَى إِثباتِ التَّحْسِينِ والتقبيحِ العَقْلِيِّ، وقد أَبْطَلْنَاه. ولو سُلِّم جدلًا فيكفِي في إبطالِ هذه المذاهب معارضَةُ كُلِّ فريقٍ لشُبَهِ الفريقَينِ الآخَرَينِ.

لا يُقَالُ: حاصلُ التمسُّك بالاستصحاب بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ رَاجِعٌ إلَى التمسُّك بعَدَمِ العِلْمِ؛ لأنا نقولُ: ليس كذلك بَلْ مِنْهُ ما يرجِعُ إلى العِلْمِ بالعَدَم، كَنَفْي صَوْمِ شَوْالٍ، ومنه ما يَرْجِعُ إلى الظَّنِّ بالعدمِ, والظَّنُّ في الأحكامِ الشرعيَّةِ وَفي وجوبِ الاعتمادِ عليه - كالعلْمِ.

ولا يُقَالُ: فجوزه في العامِّيِّ؛ لأنَّه لا يعجز عن ذلك؛ لأنَّا نقول: بَحْثُ العامِّيِّ كتفتيشِ الأَعْمَى في بيت لا يعهده عن بَعْضِ الأَمْتِعَةِ، والفَرْقُ بين طلبه وطَلَب المُجْتَهِدِ كالفَرْقِ بَينَ طَلَبِ البَصِيرِ متاعًا في بَيب يَعْلَمُ زوَاياه.

والأحْسَنُ في الاستدلالِ به مع قوله: لَا نَصَّ ولا إجماعَ ولا قياسَ ببيان القَدْحِ في نَصِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>