للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ هَهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ: أنَّ الشَّافِعِيَّ عَوَّلَ فِي إِثْبَاتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ عَمِلَ بِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنَ الْبَاقِينَ إِنْكَارٌ؛ فَكَانَ ذلِكَ إِجْمَاعًا؛ وَهذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ

إِذَا اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ فِي مَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَينِ، كَانُوا مُطْبِقِينَ عَلَى أَن مَا يُغَايِرُهُمَا بَاطِلٌ؛ لَكِنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ يُغَايرُهُمَا؛ فَوَجَبَ كَوْنُهُ بَاطِلًا.

===

وأما إِلْزَامُ الشافعي المُنَاقَضَةَ: فإنه أثبت العمل بخبر الواحد، والقياس بمثل هذه الحُجَّةِ التي نَصَّ على إِبْطَالِهَا، وقال: لا ينسب إلى سَاكِتٍ قَوْلٌ - فغير لازِم؛ فإن السُّكُوتَ الذي تَمَسَّكَ به الشَّافِعِيُّ مع التكرار، ولم تَزَلِ الصَّحَابَةُ من حين وَفَاةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَجُّونَ بأخبار الآحَادِ، والأقيسة من غير نَكِيرٍ إلى حين انْقِرَاضِهِمْ، والعادة تَنْفِي جَمِيعَ ما ذكر من الاحْتِمَالاتِ سوى المُوَافَقَةِ والحالة هذه، والله أعلم.

[المسألة الرابعة]

"إذا اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ في مَسْأَلَةٍ عَلى قَوْلَينِ، فقد كانوا مُطْبِقِينَ على أن ما يُغَايِرُهما بَاطِلٌ، لكن القَوْلَ الثَّالِثَ يغايرهما؛ فوجب أن يكون بَاطِلًا":

المَذَاهِبُ في هذه المَسْأَلَةِ ثَلاثَةٌ:

الأكثر من الأصوليين، والفقهاء: على أنه لا يَجُوزُ إِحْدَاثُ قول ثالث؛ قالوا: لأنهم أَجْمَعُوا على الحَصْرِ، فذهولهم عن الحق مع كَثْرَتِهِمْ على مَرِّ الأَيَّام مُحَالٌ؛ لأن فيه تَخْطِئَةَ كُلِّ فريق، وهو تخطِئَةٌ لكل الأُمَّةِ، ولأنه ذَهَبَ الجَمِيعُ عنه؛ فكان خطأ.

وقال أَهْلُ الظَّاهِرِ: يجوز؛ لأنهم أَجْمَعُوا على تَسْويغِ الخِلافِ في المسألة، وفتحوا بابه.

وفَصلَ آخَرُونَ، وقالوا: إن كان القَوْلُ الثالث يَرْفَعُ ما اتُّفِقَ عليه، لم يجز، وإن لم يَرْفَعْ، جاز:

مثال الأول: مصير بعض الصَّحَابَةِ إلى أن الجَدَّ مع الإِخْوَةِ يَرِثُ المَال كله، وقول

<<  <  ج: ص:  >  >>