للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ

فِي بَيَانِ الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الأَصْلِ مُعَلَّلٌ بِكَذَا؛ وَهِيَ كَثِيرَةٌ:

الأَوَّلُ: التَّنْصِيصُ عَلَى التَّعْلِيلِ؛ وَهُوَ: إِمَّا باللَّامِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ

===

مِثْلَ هذا لا يُهْتَدَى فيه إلَّا بتوقيفٍ، فتحمل فَتْوَاهُ على سَمَاعٍ، وقاسوا فِي الرُّخَصِ سائِرَ النجاسَاتِ على مقدار مَحَلِّ النَّجْو رخصةً إِلَى غيرِ ذلك، والله أعلم.

[قوله]: "المَسْأَلةُ الثالِثَةُ:

فِي بيان الطُّرُقِ الدَّالَّة علَى أَنَّ الحُكْمَ فِي الأصْلِ معلَّلٌ بكذا، وهي كثيرة":

اعْلَمْ: أنَّ نصْبَ الوصف سَبَبًا حُكْم شرعيٌّ طريقه أدلة الشرع؛ وهي النَّقْلُ والإجْمَاعُ والاسْتِنْبَاطُ وتفصيلُهَا فِي المَشْهُورِ تسعَةٌ: الإِجماعُ، والنَّصُّ الذي لا يحتملُ التأْويلَ، والظَّاهرُ، والإِيماءُ، والتنقيحُ، والتخريجُ، ونَفْيُ الفارِقِ، والسَّبْرُ والتَّقْسِيمُ، والشَّبَهُ، والدَّوران، وقد اختلفوا فِي معنَى حُكْمِ المشتَبِهِ، فقيل: يرجع إِلَى خطابِ التكليفِ، وهو أمر المجتهدِ بإثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي مَجْرَى الوَصْفِ، وقيل: يَرْجِعُ إِلَى خِطَاب الأَخْبَارِ، والحَقُّ: أنَّه إنشاءُ وضعٍ بخطابِ الأَخْبَارِ، وليس مِنْ خطابِ التكْلِيفِ؛ لتعلُّقه بَأفعالِ الصِّبْيَانِ والمجانِينِ والجمادِ، وليس هو مَحْضَ إِخبارٍ؛ لأن الإِخبارَ عن سببيَّة الوصْفِ مشروطٌ بكونه سبَبًا فيما إذا ثَبَتَتْ سَبَبِيّتُهُ بهذا الخطاب؛ فيكونَ دَوْرًا؛ فإنَّه لا يكون سببًا حتَّى يخبر عن سببيته، ولا يصدق الخبر عن كونه سببًا حتَّى يكَون سببًا - أَوْ بغيره؛ فينتقلَ الكلام إلَيه، ويتسلْسَلُ.

إذا تقرر هذا فنقول: إِنَّ مِنْ مَسَالِكِ التعْلِيلِ الإِجْمَاع: كإِجماعهم على تعليلِ ولايةِ الصَّغِيرِ لِصِغَرِهِ، وهو مقدَّم فِي العمل به على النَّصِّ؛ لأنه لا يحتملُ النَّسْخَ.

الْثَّانِي: النَّصُّ الذي لا يحتملُ التَّأْويلَ؛ كقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة ٣٢]، وقوله تعالى: {كَي لَا يَكُونَ دُولَةً بَينَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر ٧].

الثالثُ: الظَّاهِرُ، وقولُ المُصَنِّف: "الأَوَّلُ: التنصيصُ" يريدُ به المنقولَ، سَوَاءٌ كان نَصًّا أو ظاهرًا، ولا خلافَ فِي تقْدِيمِ الإجماعِ عَلَيهِمَا.

قوله: "إِما بالَّلام": أما "اللام" فليست نَصًّا فِي التعليلِ؛ فإنَّها محتملةٌ للتأْقِيتِ؛ كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء ٧٨] وتجْيءُ لبيانِ العَاقِبَةِ والصَّيرُورَةِ؛ كقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص ٨]، وكقَوْلِ الشَّاعر: [من الوافر]

.......................... ... لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ

قوله: "كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] ":

<<  <  ج: ص:  >  >>