للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [الذارِيَاتُ: ٥٦]، وَقَوْلِهِ تَعَالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبْرَاهِيمُ: ١]، وَإِمَّا بِالْبَاءِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالى: {بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأَنفَالُ: ١٣].

===

الأكثرُونَ على أن الآيةَ مخصوصةٌ؛ لانتفاءِ العِبَادَةِ مِنْ أكثرهم، ويمكنُ التعْمِيمُ بحملها عَلَى الاستعداد للعبَادَةِ؛ كما يقال: خُلِقَتِ البَقَرُ لِلْحَرْثِ، والخَيلُ لِلْكر والفَرِّ، وسواءٌ وقَعَ ذلك بالفعْلِ أو لم يَقَعْ؛ فإنَّه لا يُفْهَمُ منه إلا وضعها على وجهٍ تَسْتَعِدُّ لذلك، كذلك الآدَمِيُّ فَطَرَهُ الله مستعدًّا للتمييزِ، وفَهْمِ الخِطَابِ مهيئًا لما يُكَلَّفُ به.

قولُهُ: "وكقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم: ١] ": أي: مِنْ ظلماتِ الجَهْلِ والكُفْرِ إِلَى نور الإيمان والمعرفَةِ، والتعميمُ فيها بما ذكرناه.

قوله: "وَإِمَّا بـ "الباء كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: ١٣] ": أصل "الباءِ" لِلإِلصاقِ، وَإيصالِ معْنَى الفعْلِ إِلَى الاسْمِ، لَكِنْ ما يتصلُ بها مِنْ الأفعالِ تختَلِفُ معانِيهَا؛ فعدَّدُوا معانيها لذلكَ؛ فقالُوا فيما يَتَّصِلُ بفعْلِ القَسَمِ؛ كقوله: أَقْسَمْتُ بالله-: للقَسَم، وفي مثل: كَتَبْتُ بالقَلَمِ: الاسْتِعَانَة، وفِي مِثْلِ: بِعْتُ الفَرَسَ بِسَرْجِهِ، وقوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} [طه ٧٨] باء المصاحبة، وفي مِثْلِ قولِ الشَّاعر: [من البسيط]

تالله يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حَيَدٍ ... بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الرَّيَّانُ وَالآسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>