للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِلْعَدَمِ بِالْوُجُودِ، وَهذَا هُوَ الْذِي يُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ بِالْمَانِعِ؛ وَذلِكَ لَا يَتَوقَّفُ عَلَى بَيَانِ الْمُقْتَضِي عِنْدَنَا؛ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ.

لَنَا: أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلشَّيءِ وَالْمَانِعَ مِنْهُ مُتَضَادَّانِ، وَتَوقُّفُ وُجُودِ الشَّيءِ عَلَى وُجُودِ ضِدِّهِ مُحَالٌ؛ فَوَجَبَ أَلَّا يَتَوَقَّفَ وُجُودُ الْمَانِعِ عَلَى وُجُودِ الْمُقْتَضِي. ثُمَّ نَقُولُ: لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمَانِعِ يَتَوقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمُقْتَضِي- لَكَانَ لَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِ دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَلَى وُجُودِ الْمُقْتَضِي، بَل يَكْفِي أَنْ يُقَال: إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُقْتَضِي مَوْجُودًا فِي الْفَرْعِ. وَجَبَ ألا يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِيهِ؛ وَهُوَ الْمَطلُوبُ. وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ ثَابِتًا فِي الْفَرْعِ- فَهُوَ إِنَّمَا يَثْبُتُ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَيهِ، وَهذَا المَعْنَى قَائِمٌ فِي الأَصْلِ؛ فَيَلْزَمُ مِن ثُبُوتِ الْحُكمِ ثُبُوتُهُ فِي الْفَرْعِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذلِكَ؛ فَقَدْ صَحَّ جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِالْمَانِعِ.

===

الحيض وأَكْثَر وغالِبه. وهل يصحُّ أن يكونَ عقليًّا؟ فيه خلافٌ تقدَّم، وهل يصحُّ أن يكون لُغَويًّا؟ فيه خلافٌ أيضًا؛ والأصحُّ منعه.

وصورة المسألة: أن تُسَمِّيَ العربُ مَثَلًا المُسْكِرَ المُعْتَصَرَ من العِنَب خَمْرًا، وتَرى الاسْمَ دائرًا مع مخامَرَةِ العَقلِ، فإذا تحقَّقنا ذلك فِي النبيذِ، فهل تَسمِيَتُهُ خمرًا لأجل مخامَرَةِ العَقْل أَم لا؟

وثمرةُ الخلافِ -إنْ صَحَّ القياسُ فِي تسميته خمرًا- كَوْنُهُ مندرجًا تَحْتَ عموم قولِهِ تَعَالى: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠] ويكونُ حُكْمُ تحْريم النَّبيذِ بالنَّصِّ، وإن لم يصحَّ القياسُ لغةً؛ فيكون تحريمُ النبيذِ ثابتًا بالقياسِ الشرعيِّ؛ بجامعِ الإِسْكَارِ على تحريمِ الخَمْرِ، ولا شكَّ أن العرب سَمَّتْ تارةً لِمَعْنى وطردَتْ، وسَمَّت تارَةً ولم تَطْرُدْ؛ كما سمَّتِ القارُورَةَ قارورة؛ لاستقرارِ الماءِ فيها، ولم تسمِّ الحَوْضَ قارورَةً؛ فما عَلِمْنَا مِن لغتهم فِي الطرفَينِ اتبعْنَاهُ.

ومَحَلُّ الخلافِ فيما لم يُعْلَمْ طَرْده، ولا قصره، فهل يجري فيه القياسُ أَوْ لا؟ :

قال القاضي، وابن سُرَيج، وبعْضُ الفقهاء: يَجْرِي.

وقال قَوْمٌ: لا يَجْرِي؛ فإنه لم يَقُمْ قاطِعٌ مِن أهل اللِّسَانِ عَلَيهِ، ولَوْلا قيامُ القاطِعِ على العَمَلِ به فِي الأحْكَامِ الشرعيَّة لَمْ نقل به، ولا استَمَرَّ فيه استقرارٌ فِي اللسان؛ فَيُحْكَمُ به كما عُلِمَ مِنْ تصرُّفاتهم استقرارُ أبنيةِ المَصَادِرِ، وأسماء الفاعِلِينَ والمفعولِينَ، والجُمُوعِ، ورَفْعِ الفاعِلِ، ونَصْبِ المفعولِ، ولا يَلْزَمُ عليه عَدَمُ التجوُّزِ؛ لأنَّا نقولُ: أما مَنْ شَرَطَ فِي صِحَّتِهِ استعمال العَرَبِ له، فلَا إشْكَال عليه، وأما من لم يوافقه علَيهِ، فيقول: اطَّرَدَ لنا مِنْ لغتهم صحَّةُ التجوُّزَ بجنْسِ المصَحِّحَاتِ المذكُورة.

الشَّرطُ الثَّاني: اتحادُ نَوْعِ الحكم، فإنِ اختلف حُكْمُ الفرعِ والأصل؛ كقياس المبتوتة فِي مَرَضِ الموتِ على القاتِلِ، والحُكْمُ فِي الأصلِ عَدَمُ الإرثِ، وفي الفرع الإرْثُ مع اتِّحادِ الحِكْمَة، والضَّابطُ فيه خِلافٌ، والحقُّ: أنَّه إن أمكَنَ تحقيقُ الإلحاقِ فِي قَدْرٍ مُشتَرَكٍ، وهو العقوبةُ بنقيض المقصود مع قطْعِ النَّظَرِ عمَّا به العقوبة- صَحَّ القياسُ، وإلا فلا؛ فإن حقيقةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>