وصار أبو هاشم، وأكثر الحنفية إلى أنهم غيرُ مخاطبين، وغلا أبو هاشم فقال: إنَّ المُحْدِثَ لا يُخاطَبُ بالصلاة إلا بعد إزالة حدثه، ونُسِبَ إلى خرق الإجماع.
وفرق قوم بين الأمر والنهي، فقالوا: يجوز التكليف بالمنهى، لأنَّ المقصودَ منه الترك، وهو حاصل بدون نِيَّة التقرُّبِ، بخلاف المأمور، وهو لا يلزمهم جواز الأمر بالمأمورات التي لا يشترط فيها نية التقرب.
وهذه المسألة لا يظهر فيها أثرُ الخلاف في الدنيا؛ فإن الكافر لا يصح منه العبادة مع كفره، وإذا آمن لا يُخَاطَبُ بقضاء ما فات؛ لأنَّ "الإسْلامَ يجُبُّ مَا قَبْلَهُ"، ولأن إيجابَ القضاء تنفيرٌ من الدخول فيه، وإنما أثره في تَضعيف العقاب في الآخرة.
وهذه مسألة فرعية، وإنما فرضها العلماءُ مثالًا لأصل، وهو أَنَّ التكليف بالمشروط حالةَ عدم الشرط هل يصح أو لا؟
وحرف المسألة: ينبيء على أن الإمكانَ المشروط هل يُشتَرَطُ فيه التمكن الناجِزُ أم لا؟
فَمَنِ اشترطه مَنَعَ ذلك، ومنِ اعتقد أَنَّ الشرطَ التَّمَكُّنُ على الجملة -وهو الحَقُّ- جَوَّزَ التكليفَ به؛ فإنه يمكنه الإتيان بالمشروط، والتوسل إليه بالإتيان بالشرط.
وتحقيقه بالإجماعِ على تكليف الدَّهْرِيِّ بالإيمان بالرسولِ، المشروطِ بتقديم الإيمانِ بالله تعالى، والإجماعِ على أَمْرِ المُحْدِثِ بالصلاة بشرط تقديمِ الطهارة.