للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَأْتِي بِهذِهِ الأَعْمَالِ؛ كَمَا أَنَّ الدَّهْرِيَّ مُكَلَّفٌ بِالإِيمَانِ بِالرَّسُولِ؛ عَلَى مَعْنَى: أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالإِيمَانِ بِالله أَوَّلًا، ثُمَّ يَأْتِيَ بَعْدَهُ بِالإِيمَانِ بِالرَّسُولِ، وَالْمُحْدِثُ مَأْمُورٌ بِالصَّلاةِ؛ بِمَعْنَى: أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَأْتِيَ بِالصَّلاةِ ثَانِيًا.

حُجَّةُ الْمُخَالِفِ: لَوْ وُجِّهَتِ الصَّلاةُ عَلَى الكَافِرِ- لَوَجَبَتْ: إِمَّا فِي حَالِ الكُفْرِ؛ وَهُوَ مُحَالٌ؛ لأَنَّ حَال الْكُفْرِ: لَا يَصِحُّ صُدُورُهَا مِنْهُ، أَوْ بَعْدَ الْكُفْرِ؛ وَهُوَ مُحَالٌ؛ لأَنَّ بَعْدَ الكُفْرِ: تَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ التَّكَالِيفِ السَّالِفَةِ؛ بِالإِجْمَاعِ، وَلِقَوْلِهِ -عَلَيهِ السَّلامُ-: "الإِسْلامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ".

الْجَوَابُ: أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ شَيءٌ آخَرُ؛ وَهُوَ: أَنَّهُ إِذَا مَاتَ عَلَى الكُفْرِ، وَعُوقِبَ عَلَى الْكُفْرِ: فَهَلْ يُعَاقَبُ -أَيضًا- عَلَى تَرْكِ هذِهِ الأَفْعَالِ؟ ! وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ لَا يُبْطِلُ ذلِكَ.

===

ولو شُرِطَ التمكنُ الناجزُ- لما صَحَّ التكليفُ بعبادة ذاتِ أجزاء جُمْلَة، كالصلاة مثلًا.

هذا هو البحثُ في طَرَفِ الجواز، وهو حظ الأصوليين، وأما الوقوع فهو من مباحث الفروع، ويكْتَفَى فيه بغلبات الظنون.

ويدل عليه ظاهر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: ٦٨، ٦٩] وغيره.

قوله: "والدليل عليه: أَنَّ المُقْتَضِي لوجوب هذه الأعمال على الكافر قائم، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢١]، وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ} [آل عمران: ٩٧]، يعني: وظاهِرُ "الناس" يَعُمُّ المؤمنين والكافرين، وهذا استدلال على الوقوع.

وقوله: "والكفرُ غيرُ مانع" وقَرَّرَهُ بالقياس على أَنَّ الدَّهْرِيَّ مُخَاطَبٌ بالإيمانِ بالرسول، والمُحْدِثَ مُخَاطَبٌ بالصلاة- هذا بحث في الجواز، وقد تقدم تقريرُه.

وقوله: "واحتجَّ المُخَالِفُ بأنه لو وجبتِ الصلاة على الكافر لوجبت: إما في حال الكفر وهو محال، أو بعده، وهو محال؛ لأن إيمانه يسقط عنه جميع الكاليف" -يعني أنه لا يُؤمَرُ بالقضاءِ، فأشبه الحائِضَ من حيثُ إنها لم تُؤمَرْ بالصلاة في حال الحيض، ولم تؤمر بالقضاءِ بعد زواله؛ فلم تكن مُخَاطَبَةً بالصلاة.

وجوابه: أنَّ محل النزاع شيء آخر يعني في تضعيف العذابِ في الآخرة، هذا مع أن قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>