وسمع الحديثَ من إبراهيم بن عمر الإِسْعَرْدِيّ، وغيرِه.
وصَحِب الشيخ الجليل السيد الكبير أبا عبد الله القُرَشِيّ، واخْتَصَّ به، وبَرَع في العلم، ولَزِم طريقة السَّلَف في التقشُّف والورع، وكان يُلْقِي على الطلبة كلَّ يوم عِدَّةَ دروس، من الفقه، والأصول، ولا يقبل لأحدٍ شيئًا.
وكان أَوَّلَ أمرِه شَرابِيًّا، يعمل الشرابَ، ثم انتهتْ به الحالُ إلى أن صار شيخَ الديار المصرية عِلْمًا وعملًا، وسُئِل في ولايةِ القضاء فامْتَنع أشَدَّ الامْتِناع.
مَولدُه سنة أربع وخمسين وخمسمائة بجَوْجَر. وتوفي سحر يوم الأحد سابع ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمصر وقال ابن السبكي في طبقاته: اتفق حضوره عند الفقيه شرف الدين ابن التلمساني شارح "التنبيه".
الثاني: عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري، المصري، الأندلسي الأصل الإِمام علم الدين، المعروف بالعراقي، ولد بمصر سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وأخذ الفقه عن ابن عبد السلام وغيره، والحديث عن المنذري قراءة وسماعًا، والأصلين ابن التلمساني والخسروشاهي، ومهر وبرع في فنون العلم، وتصدر بجامع مصر، ودرس بمشهد الحسيني، ودرس التفسير بالقبة المنصورية وغيرها، وصنف كتبًا، منها في التفسير الإِنصاف في مسائل الخلاف بين الزمخشري وابن المنير، ونبه على مواضع الاعتزال في الكشاف، وقد أخذ عنه السبكي علم التفسير. قال الإِسنوي: كان عالمًا فاضلًا في فنون كثيرة خصوصًا التفسير. وفيه دعابة كثيرة مأثورة إلى الآن عنه. قال: وشرح التنبيه شرحًا متوسطًا، رأيت منه جزءًا من أوائل الكتاب، وجزءًا من آخره، وقد لا يكون أكمله. وأقرأ الناس مدة طويلة حتى صاروا أئمة. وكتب بخطه كثيرًا حتى كتب حاوي الماوردي مرات. وأضر في آخر عمره. وقال ابن كثير في طبقاته نقلًا عن بعضهم: إن له مصنفات في التفسير والأصول. توفي في صفر سنة أربع وسبعمائة، ودفن بالقرافة الصغرى. والعراقي نسبة إلى جده لأمه، وهو العراقي شارح المهذب.