للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ؛ فَهذَا اللَّفْظُ لَا يُفِيدُ إِلَّا أَصْلَ الرُّجْحَانِ. وَفِي هذَا الْمَقَامِ: إِنْ أَرَدْنَا نُصْرَةَ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: "إِنَّ هذِهِ الصِّيغَةِ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ" -اكْتَفَينَا بِهَذَا الْقَدْرِ، وَإِنْ أَرَدْنَا نُصْرَةَ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: "إِنَّها تُفِيدُ النَّدْبَ"- قُلْنَا: لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ هذِهِ الصِّيغَةَ دَلَّتْ عَلَى أَصْلِ الرُّجْحَانِ، وَقَدْ كَانَ جَوَازُ التَّرْكِ ثَابِتًا بِمُقْتَضَى الْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ؛ فَحِينَئِذٍ: يَحْصُلُ الظَّنُّ أَنَّ طَرَفَ الْفِعْلِ رَاجِحٌ، وَأَنَّ التَّرْكَ غَيرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ؛ وَذلِكَ هُوَ النَّدْبُ.

الحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ جَعَلْنَا هَذِهِ الصِّيغَةَ حَقِيقَةً فِي الْوُجُوبِ -لَكَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمَنْدُوبِ تَرْكًا لِمَدْلُولِ اللَّفْظِ، أَمَّا لَوْ قُلْنْا: "إِنَّهُ يُفِيدُ التَّرْجِيحَ الَّذِي هُوَ القَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَينَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَإِنَّ جَوَازَ التَّرْكِ يَثْبُتُ بِمُقْتَضَى الْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ"- كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْوُجُوبِ إِثْبَاتًا لأَمْرِ زَائِدٍ عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَلَمْ يَكُنْ رَفْعًا لِمُقْتَضَاهُ؛ وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّانِيَ أَوْلَى؛ فَكَانَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيهِ أَوْلَى.

===

قولُهُ: "الحُجَّة الثانيةُ: لو جعلنا هذه الصِّيغةَ حقيقة في الوجوب - لكانَ استعمالُها في الندب تركًا لمقتضى اللفظ. . ." إلى آخره.

حاصله: أنها لو كانت حَقِيقةً في الوُجُوبِ، وقد استعملت في النّدْبِ - لكان استعمالُها فيه مخالفًا للأصل.

وبتقدير جَعْلِها حقيقةً في الندب، لا يكُونُ استعمالُها في الوُجُوب مخالفًا لِلأَصل؛ وهذا يعارضه.

أما إِذا جعلناها حَقِيقةً في الندب، وقد استعملت في الوجُوبِ كانت مشتركةً، والاشتراكُ على خِلافِ الأَصْل، والندْب أعم مِنَ الوجُوبِ، فيكون إِطلاقًا للعام، وإرادة للخاص، وهو لا يشعر به، ولا يستلزمه على ما ذكر.

والحقُّ أنَّه أضعف لزومًا، فالأول أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>