للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقوُله عليه الصلاةُ والسلام-: "كُتتُ نَهَيتُكُم عَنْ زَيارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوهَا، وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا"، إلى غير ذلك.

واحتجَّ القائِلُون بالوجوب: بَأَنَّ سبق الحظر لو كان قَرِينةً صارفةً، لكانت إِمَّا مقالِيَّةً، أو حَالِيَّةً.

والمقالية: لَا بُدَّ أَنْ تكون مفسرة مطابقة لما اقترنت به، ولا مُطَابقة بين الإِذن والمَنْعِ.

والحَالِيَّةُ: شرطُها المقارنة، والسابق غيرُ مُقارنٍ.

وأُجِيبَ: بأنَّ العِلْمَ بسبقها مقارن، كالقرينة العَهْدِيَّةِ فِي الألف واللام، فإنها تُعَيِّنُ وتخصِّصُ مع سبقها للعلم المقارن.

قوله: لنا أنَّ المقتضى للوجوب قَائِمٌ. قلنا: ممنوعٌ.

قوله: فإنَّا بيَّنا أَنَّ ظاهر الأمر للوجوب.

قُلْنَا: مع عدم القَرَائِنِ، أَمَّا مع القرينة، فَلَا نُسَلِّم تقرير الدلائل على هذا التقدير.

قوله: "لأنه لَمَّا جاز الانتقالُ مِنَ المنْعِ إِلَى الإذْنِ، فقد يجوزُ الانتقالُ من المنعِ إِلى الإِيجاز".

تقديرُه: أنَّ الحَظْر أحدُ أَنواع الحُكم الشرعي، وهي خمسةٌ، فرفعه لا يستلزِمُ نوعًا مخصُوصًا، بل كما جازَ رقعُه بالإِباحة، جاز رَفْعُه بالوجوب، وغيرِه؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥].

والجَوابُ: أننا لا ننازعُ فِي الجوازِ، وإنَّما ندعي ظُهورَ الرفع بالإباحَةِ؛ لما تَقرَّرَ مِنْ عرف الاستعمال لُغة وشرعًا، ولأنَّ الإِذْنَ هو المحقق، وما سواه مِن وُجوَب أَوْ ندبٍ مشكوكٌ فيه، والحملُ على المتيقن أَوْلَى؛ لأَن الأَصْلَ فِي الأَفْعال رفعُ الحرج.

وقد ورد الحَظرُ رافعًا لحكم البراءة الأصلِيَّةِ، فورود ما يرفعه يَرُدُّهُ إِلَى أَصْلِه، لا يُقَالُ: قد يرِدُ للوجوب بِغَيرِ المنع؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥].

لأَنَّا نقولُ: إِنما حمل -ها هنا- على الوجوب لما تقرر مِنْ فَرضِ الجهاد، وأنَّ الأَشْهُر الحرم مانعة، فإذا زال المانِعُ رجع إِلى الأَصْل.

<<  <  ج: ص:  >  >>