للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: لَوْ قَال: "افْعَل عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ عَلَى التَّرَاخِي"- لَمْ يَكُنِ الأَوَّلُ تَكرَارًا، وَلَا الثَّانِي نَقْضًا.

الرَّابِعُ: لَوْ قُلْنَا: هذِهِ الصِّيغَةُ تُفِيدُ الطَّلَبَ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُشتَرَكُ بَينَ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي -لَمْ يَكُنْ عَدَمُ حُصُولِ الفَوْرِيَّةِ، تَرْكًا لِلْعَمَلِ بِمُقتَضَى اللَّفْظِ، أَمَّا لَوْ قُلْنَا: إِنَّهَا وُضِعَت لِلْفَوْرِيَّةِ- كَانَ عَدَمُ حُصُولِ الْفَوْرِيَّةِ، تَرْكًا لِلْعَمَلِ بمُقْتَضَى اللَّفْظِ؛ فَكَانَ الأَوَّلُ أَوْلَى.

الْخَامِسُ: ذَكَرْنَا أَنَّ النَّافِيَ لِحُصُولِ الإِيجَابِ قَائِمٌ، وَالإِيجَابُ عَلَى الْفَوْرِ يَقتَضِي حُصُولَ الْجَانِبَينِ: أَحَدُهُمَا: إِيجَابُ أَصْلِ الفِعْلِ، وَالثَّانِي: إِيجَابُ الْفَوْرَّيةِ، وَأَمَّا إِثبَاتُ الْوُجُوبِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْفَوْرِيَّةِ- فَتَعْلِيلٌ لِمُخَالفَةِ ذلِكَ النَّافِي؛ فَكَانَ أَوْلَى.

حُجَّةُ الْمُخَالِفِ وُجُوهٌ:

الأَوَّلُ: الْمَأمُورُ بِهِ مِنَ الْخَيرَاتِ، وَيَتَعيَّنُ فِيهِ الْفَوْرِيَّةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيرَاتِ} [البقرة ١٤٨]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}. [آل عمران ١٣٣].

الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالى لإِبْلِيسَ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف ١٢] ذَمَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأمُورِ بهِ فِي الحَالِ؛ فَلَوْ لَمْ يَدُلَّ الأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ -لَكَانَ لإِبْلِيسَ أَنْ

===

قولُه: "حُجَّة المخالف وجوه" يعني: القائلين بالفور.

قولُه: " (الأول: المأمور به مِنَ الخيراتِ، فيتعيَّنُ فيه الفورُ؛ لقوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيرَاتِ} [البقرة ١٤٨].

أورد عليه: إنْ سلمت الدلالة على الوجوب ها هنا، فإنه ليس مِنْ مقتضى الصيغة، بل من دَلِيلٍ خارجٍ.

وقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران ١٣٣].

أَورِدَ عليه: أنه لا يعم إلَّ بدلالة الاقتضاء، وَالاقْتِضَاءُ لا عموم له؛ لأنَّ دلالته ضرورية، والضرورةُ تقدر بقدر الحاجة.

وبيانُه: أَنَّ المسارعة إنما هي إلى سبب المغفِرة، والتوبةُ مِنْ أسباب المغفرة: إِمَّا من الشرك، أو مِنَ المَعَاصِي، وكلاهما على الفور، فلا دَلالةَ لها على ما سواها.

قوله: "الثاني: قوله تعالى لإِبليسَ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف ١٢].

أُورِدَ عليه: أن أمر الملائكة كان على الفَوْر؛ بدليل قوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [سورة ص: ٧٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>