للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ الحَنَفِيُّ، فِي [نَذْرِ] صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَنَذْرِ ذَبْحِ الْوَلَدِ: إِنَّهُ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَذَبْحِ الْوَلَدِ، وَالآتِي بِذلِكَ آتٍ بِنَذْرِ الصَّوْمٍ وَنَذْرِ ذَبْحِ الْوَلَدِ؛ ضَرُورَةَ أَنَّ الآتِيَ بِالْمُرَكَّبِ آتٍ بِكُلِّ واحِدٍ مِنْ مُفْرَدَاتِهِ؛ فَوَجَبَ أَن يَأتِيَ بِالصَّوْمِ وَالذبْحِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١].

غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُقَال: إِنَّهُ انْتَفَى قَيدُ كَوْنِهِ فِي يَؤمِ الْعِيدِ، وَفِي الْوَلَدِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالفَهِ الدَّلِيلِ فِي صُورَةٍ مُخَالفَتُهُ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ.

وإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيهِ الصَّوْمُ وَالذَّبْحُ - وَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَيهِ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ وَذَبْحُ الشَّاةِ؛ لأَنَّه لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ.

===

لاعتقادِهِ أَنَّ النهيَ مُتَعَلَّقُهُ ذاتُ المَنْهِيِّ عنه؛ فيكونُ مَعْصِيَةً، وَيدُل على الفَسَادِ.

وإنما يُصْرَفُ النهيُ عن ذاتِ الشيءِ إلى غيره، كالصلاة في الدار المغصوبة بتقدير تعدد الجِهَةِ، ولا يمكن هنا؛ فَإِنَّ النهيَ هنا عن الصوم لأَجْلِ كونِهِ صَوْمَ يومِ العِيدِ، والنهيُ عن صومِ يومِ العيدِ لا يَنْفكُّ عنِ الصومِ.

وأبو حنيفةَ -رحمه الله تعالى- يَرَى تَعَدُّدَ الجِهَةِ كالصَّلاةِ في الدَّارِ المغصوبة.

ولم يقل بإيجابِ الشَّاةِ قياسًا؛ إنما قاله استحسانًا من قِصَّةِ الخَلِيلِ إبراهيمَ - عليه السلام - وقولِ بعض الصحابة، وقولِ ابن عباس - رضي الله عنهما - وإلَّا فقياسُهُ يُوجِبُ أَنَّ مَنْ نذر ذَبْحَ ولدِهِ، يَلْزَمُهُ ذَبْحُ شاةٍ لعين ما ذُكِرَ، ولم يقلْ به.

وممَّا احتجَّ به الفقهاءُ: أَنَّ وقتَ العبادَةِ كالأَجَلِ في الدَّين، ولا يلزمُ من سُقُوطِهِ، سُقُوطُهُ فكذلك العبادَةُ.

وفرق: بِأَنَّ الدَّينَ مطلوبُ الحُصُولِ في نفسه، والأَجَلَ رِفْق لتيسيرِ الأداءِ.

وإنْ لم يَتَبَيَّنْ لنا أَنَّ العبادَةَ مطلوبةٌ لنفسها بدون وقتها، فَإنَّ لخصوص الأوقات، والأمكنةِ، والصِّفَاتِ أَثَرًا في مقاصِدِ الآمرين؛ كالأمر بالوقوف يومَ عَرَفَةَ بأرْضِها، وصومِ يومها، والأمرِ بِعِتْقِ رَقَبةٍ مؤمنة، والأمرِ بشراءِ الفَحْمِ في الثتاء، والثَّلْجِ في فصل الصيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>