للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا عَرَفتَ هذَا، فَنَقُولُ: أَجْمَعُوا عَلَى أن النهيَ فِي الْمُعَامَلاتِ، لا يُفِيدُ نَفْيَ المِلْكِ فِي جَمِيعِ الصوَرِ، بَل يُفِيدُهُ تَارَةً، وَتَارَة لَا يُفِيدُ [هـ]؛ وَالضابِطُ فِيهِ: أَن المَنْهِي عَنهُ: إِمَّا أَن يَكُونَ تَمَامَ المَاهِيةِ، أَوْ جُزءًا مِنْها، أو خَارِجًا لازِمًا، أَوْ خَارِجًا مُفَارِقًا:

===

الصحةُ تَحَققَ الفَسَادُ؛ لاستحالةِ الخُلوِّ عَنِ النقِيضَينِ.

قوله: "وأما الثاني -يعني: أَنَّهُ لا يَقْتَضِي الفسادَ في المُعَامَلاتِ-[فيدل عليه] أنه لا يَمتَنِعُ في المعقولِ أَن يقولَ الشارعُ: لا تَفعَل هذا الفِعلَ، لَكِنَّكَ إِن فَعَلتَهُ أفادَ المِلْكَ".

حاصِلُ دَلِيلِهِ: أن الصحةَ في المُعَامَلاتِ إذا فسدت بترتيبِ الأَثَرِ، واعتبارِ الفِعلِ سببًا لِحُكم آخَرَ- فالنهيُ لا يُشعِرُ بذلك لَفظًا، ولا معنى.

أَما أنه لا يُشعِرُ به لفظًا، فظاهِرٌ. وأما أَنه لا يشعرُ به معنى؛ فلأنه لو أَشعَرَ به معنى، لَنَاقَضَ التصريحَ به شرعًا.

ولا مَانعَ أن يقولَ الشارعُ: لا تُرسِلِ الطلاقَ الثلاثَ، وإنّ أرسلتَ نَفَذَ، ولا تُطَلَّق في الحَيضِ، وإن طَلَّقتَ وَقَعَ، ولا تَذبَح بِسِكينِ الغَيرِ، وإن ذَبَحتَ حَلَّ.

واحتجَّ مَن ادَّعَى الفسادَ: بأن الأَسبَابَ الشرعِيةَ لا بُدَّ أنْ تكونَ مُنَاسِبَة لأَحكَامِها، والمُنَاسِبُ: هو الذِي يُتَوقعُ من إِثبَاتِ الحُكمِ في مَجرَاهُ حُصُولُ المَنفَعَةِ بِاعتِبَارِهِ غَالِبًا؛ فإذن شرط اعتبار الوصف سبب حُصُولِ المصلحة منه غالبًا. والمَنْهِيُّ عنه إنمَا تَحصُلُ المصلحةُ منه نادرًا؛ لأنه إِنما تَحصُلُ المَصلَحَةُ بتقدير ارتكابِ المُخَالفَةِ.

فَالظاهِرُ مِنْ حَالِ المُؤمِنِ أَنهُ لا يرتكِبُ محظورَ دِينِهِ؛ فلا يُعتَبَرُ سببًا.

ومِمَّا يُتَمَسكُ به في أَن النهيَ يدل على الفساد: أن العُقُودَ في الواقع إِنمَا تُشْرَعُ لتحصيلِ مصالح العِبَادِ، وإنما ينهى عن الشيء لاشتماله على مفسدة خالصة، أو راجحة، أو لخلوه عن المصلحة فبين النهي عن الشيءِ واعتباره، تناقض باعتبارِ الدَّوَاعِي والصوَارِفِ فلا يجتمعانِ.

ومِمَّا احتج به: قوله -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ أَدخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيسَ مِنهُ فَهُوَ رَدَّ"، و: "من عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".

واعتُرِضَ عليه: بالقولِ بموجبه، فقالوا: نُسَلِّمُ أنه رَدَّ في نَفْسِهِ، فَلِمَ كان اعتبارُهُ سببًا لِغَيرِهِ رَدًّا؟

وحمل الحَدِيثِ على مِثلِ هذا بَعِيد، يَكَادُ يُخرِجُه عن كونِهِ مفيدًا؛ فَيَتَعينُ حَملُ الرّدّ على نفي الثمَرَةِ والمقصودِ.

قوله: "إِذا عرفت هذا فنقول: أجمعوا على أَن النهيَ في المعاملات [لا] يفيد المِلْكَ في

<<  <  ج: ص:  >  >>