للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا عَرَفتَ هذَا، فَنَقُولُ: أَمَّا اللَّفْظَ الدال عَلَى الحَقِيقَةِ، مِن حَيثُ إِنهَا هِيَ هِيَ، مِنْ غَيرِ أَنْ تَكُون فِيهِ دَلالة عَلَى شَيء مِن قُيُودِ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ -فهُوَ: المُطلَقُ. وَأَمَّا اللفْظُ الدال عَلَى تِلْكَ الحَقِيقَةِ مَعَ قَيدِ الكَثرَةِ: فَإن كَانَتْ تِلكَ الْكَثْرَةُ كَثْرَةً مُعَينَة؛ بِحَيثُ يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَزِيدُ عَلَيهَا -فَهُوَ: اسمُ العَدَدِ، وإن لَمْ يَكُن كَذلِكَ- فَهُوَ: الْعَام؛ فَلِهذَا

===

ويختص العددُ: بأن الكثرةَ فيه مُعَينة محصورة.

ومُفْرد العام: بأن الكثرة فيه غير معينة ولا محصورة.

قولُه: "إِن كُل شَيءٍ له ماهيةٌ وحقيقةٌ؛ فكل أمر يكون المفهوم منه ليس عينَ المفهوم من تلك الماهية- كان مُغَايِرًا له، سواء كان لازمًا، أو مُفَارِقًا، وسواء كان إِيجابًا أو سلبًا":

غرضه من ذكر الشرطية: الرد على مَن أخذ الموحدة في حَدِّ المطلق، وهي عارضة له؛ فإن المطلقَ يوصف بالقلةِ، والكثرة، والوحدة، وكل ما يُوجَدُ مع المتقابلين، وليس له مِن ذاته أحدهما إلَّا أن عبارته لَا توفي بمقصوده؛ فَإن الذي أنتجه ضابطه: أَنه مغايرٌ للماهِية، وجزء الماهية مغاير لها، وداخل فيها، وليس مقصوده مطلق المغايرة، بَل مغاير هو خارجٌ، فكان حَقه أن يَقُولَ: فكل أمر يكون المفهومُ منه ليس عين المفهومِ مِن تلك الماهية، ولا جزءًا- فهو عارِضٌ عليه؛ لتتم له المؤاخذة.

قوله: "إِذا عرفت هذا، فنقول: اللفظ الدال على الحقيقة من حيث إنها هي، من غير أن يكون فيها دلالة على شيء آخر من قيود تلك الماهية- فهو اللفظ المطلق" يعني: أن المطلق هو الدال على الماهية فحسب.

قوله: "وأما الدال على تلك الحقيقة مع قيد الكثرة: فإن كانت تلك الكثرة كثرة معينة، بحيث يتناولها اللفظ، ولا يتناول الزائد عليها - فهو اسم العدد" وهذا أيضًا فيه مُؤَاخذة؛ فإِنهُ أخذ المعدود في ماهية العدد، والعدد يستلزم المعدود لا أنه يشعر به مطابقة، ولا تضمنًا؛ إِذِ العددُ عبارة عن محض الكثرة المعينة.

قوله: "فلهذا السبب قُلنا: ما يتناول الشَّيئَينِ فصاعدًا من غير حصر هو العام".

قوله: "ما يتناول الشيئين": يُخرِجُ المطلقَ.

وقوله: "مِن غَيرِ حَصر" يخرج العدد.

وعدل عن قول الغزالي وهو: "اللفظ المتناول لشيئين فصاعدًا"؛ لأنَّ العموم كما يعرض لِلفظِ قد يعرض لدلالة مقتضى اللفظ، ولمفهومه؛ ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقد أُخِدَ عليه: تقييده له بالشيئين؛ فإن العمومَ قد يعرض للمعدومات، فإن قَولَنَا: المعدومات والمستحيلات عامة، وليست أشياء.

فالأَولى أَن يُقَال: "ما يتناول مُسَمَّيَينِ فصاعدًا مِن غير حصرٍ".

<<  <  ج: ص:  >  >>