لَنَا وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أَنَّهُ يُقَالُ: "جَاءَنِي الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ وَالرِّجَالُ"، فَلَوْ كَانَ قَوْلُنَا: "الرَّجُلُ" يُفِيدُ الاسْتِغرَاقَ - لامْتَنَعْتِ التَّثنِيَةُ وَالجَمْعُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْكُلِّ شَيءٌ يُضَمُّ إِلَيهِ.
الثَّانِي: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَال: "أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلاقَ" - لَمْ يَقَعِ الثَّلاثُ عَلَيهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُفْرَدُ الْمُعَرَّفُ يُفِيدُ الْعُمُومَ - لَكَانَ هذَا تَصْرِيحًا بِالثَّلاثِ وَأَكثَرَ.
===
بأن اللام تُفِيدُ التَّعْرِيفَ، وهو دائِرٌ بين العَهْدِيِّ، والجنسي، ولا يَصِحُّ إِرَادَةُ العَهْدِ إلا مع سَبْقِ ذِكْرِ، أو قرينة، والأصل عَدَمُ ذلك.
والخِلافُ عند تَجَرُّدِ الصِّيغَةِ عن القَرَائِنِ، فَيَتَعَيَّنُ الحَمْلُ على الجنس؛ ولأن العَهْدَ إذا لم يُفْهَمْ إلَّا بقرينة، كَانَ مَجَازًا، وكل مَجَازٍ يستدعي حَقِيقَةً، فيتعين أن يَكُونَ حَقِيقَةً في الجنس.
وَتَوقَّفَ الوَاقِفِيَّةُ؛ قالوا: لأن هذه الصَّيغَةَ، كما تُسْتَعْمَلُ لإفادة الجِنْسِ، تُستَعْمَلُ لإفادة الوَاحِدِ المعين، والأصل في الإطلاق الحَقِيقَةُ، فتكون مشتركة، أو لا ندري مَا هُوَ الحَقِيقَةُ.
وَفَرَّقَ الإِمَامُ بين ما يميز بين جِنْسِهِ وواحده بالهَاءِ؛ كالثَّمرة والثَّمَرِ، والبُرَّةِ والبُرِّ، وبين ما لا يميز بالهاء؛ كالذَّهَبِ وَالوَرِقِ؛
فقال: الأول يُفِيدُ العُمُومَ؛ لانْتِفَاءِ إِرَادَةِ الوَاحِدِ المعين بدون الهَاءِ، وتوقف في الثَّانِي؛ لِصَلاحِيَّتِهِ للأمرين، وساعده الغزالي في "المَنْخُولِ" على هذا التَّفْصِيلِ، وزاد فقال: وما عرى عن الهاءِ فلا يَخْلُو: إِما أن يَتَكَرَّرَ لَفْظُهُ بتكرر مُسَمَّاهُ، أو لا يَتَكَرَّرُ:
فَالأَوَّلُ: كالرجل، والدرهم؛ فَإِنَّكَ إِذا ضَمَمْتَ إِليه غيره، قلت: رجلان، أو رجال.
وَالثَّانِي: كالذهب؛ فإنك لو رَدَدتَ أَمْثَالهُ، فاسم الذَّهَب بَاقٍ عليه لم يَتَكَثَّرْ.
قال: فالأول لا يَعُمُّ، والثاني يَعُمُّ.
قوله: "لنا وجوه: الأول: أنه يُقَالُ: جاءني الرَّجُلُ، والرجلان، والرجال، فلو كان قولنا: "الرَّجُلُ" يفيد الاسْتِغْرَاقَ لامتنعت التَّثْنِيَةُ، والجمع؛ لأنه لم يَبْقَ بعد الكُلِّ شيء ينضم إليه":
والاعْتِرَاضُ: أن يقال: نَحْنُ لا نَدَّعِي إِفَادَتَهُ للاستغراق نَصًّا، وإنما نَدَّعِيهِ ظَاهِرًا، مع احتمال إِرَادَةِ الوَاحِدِ المعين، فَحُصُولُ التَّثْنِيَةِ، والجمع - قرينة دَالَّةٌ على إرَادَةِ هذا المحمل، أعني: الواحد المُعَيَّن.
قوله: "أَجْمَعُوا على أنه لو قَال: أنت [طالق] الطلاق، لم تَقَع الثَّلاثُ عليها، فلو كان المُفْرَدُ الْمُعَرَّفُ يفيد العُمُومَ - لَكَانَ هذا تَصْرِيحًا بالثلاث"، يعني: أنه إِذا دَلَّ على الاسْتِغْرَاقِ، فيقع من الطَّلاقِ ما يملكه.
والاعْتِرَاضُ: أن هذا ظاهِرٌ عارضه أَصْلٌ، وهو أن الأَصْلَ: العِصْمَةُ، ، وَلَا يُزَالُ اليَقِينُ إلا