للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَنَا: أَنَّ الله تَعَالى أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيهِ السَّلامُ- بِذَبحِ إِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ نَسَخَ ذلِكَ قَبلَ حُضُورِ وَقتِ الذَّبْحِ.

فَإِنْ قَالُوا: "لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِالذَّبْحِ؛ بَل لَعَلَّهُ كَانَ مَأمُورًا بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ: مِنَ الإِضجَاعِ، وَتَحْدِيدِ السِّكِّينِ، مَعَ الظَّنِّ الْغَالِبِ بِكَوْنِهِ مَأمُورًا بِالذَّبْحِ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَيهِ قَوْلُهُ تَعَالى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصَّافَّات: ١٠٥] ":

قُلْنَا: لَوْ كَانَ الأَمْرُ كَذلِكَ، لَوَجَبَ أَلَّا يَحْتَاجَ إِلَى الْفِدَاءِ؛ لأَنَّهُ لَمَّا أَتَى بِتَمَامِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ، فَقَدْ أَتَى بِتَمَامِ الْمَأمُورِ بِهِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَخرُجَ عَنِ الْعُهْدَةِ؛ فَكَانَ يَمْتَنِعُ احْتِيَاجُهُ إلَى الْفِدَاءِ، وَلَمَّا احْتَاجَ إِليهِ عَلِمْنَا: أَنَّهُ كَانَ مَأمُورًا بِحَقِيقَةِ الذَّبْحِ.

===

على أنه ليس بنسخٍ للأصل؛ قال: لأنَّهُما عبادتانِ منفصلتانِ، ورَفْعُ الوجوب لا يستلزمُ رَفْعَ الجوازِ؛ فيصح مع الطهارة وبدونها. نعم، لو أوجبها بشرط الحدث فيكون نسخًا.

ونُوقِشَ في الفَرْقِ إِلزام التسوية بعين ما ذَكَرَ؛ فَإِنَّ الصلاة الموصوفةَ بوجوب الطهارة مُغَايِرَةٌ للصلاة الموصوفة بجواز الطهارة؛ كما أَنَّ الركعتينِ المستقلتين مغايرتان للركعتين المنضمتين.

وقوله: إِنَّ رَفْعَ الوجوب لا يستلزم رَفْعَ الجوازِ، إن عنى به: الجوازَ الخاصَّ، فظاهِرٌ أنه ليس جزءًا له، بل قَسِيمُهُ، وإنْ عنى به الجوازَ العامَّ، فقد تقدم فيه بحث.

قوله: "إِذا قال الله تعالى: صلوا عند الغروب ركعتين، ثم قال قبل حضورِ ذلك الوقت: لا تصلوا- فهذا عندنا جائز خلافًا للمعتزلة ... " إلى آخرها:

[قوله: المسألة الرابعة]

اعلم أن هذه المسألةَ يُعَبَّرُ عنها بعبارتين:

إحداهما: النسخُ قبل دُخُولِ الوقت؛ وهو فيما يكونُ مأَمُورُهُ مُرْتَقَبًا، وصورتُه ما مَثَّلَهُ.

العبارة الثانية: النَّسْخُ قبل الإمكانِ، وهو فيما إِذا كان المأمور به مُنَجَّزًا، لَكِنَّ فِعْلَه يتوقَّفُ على مقدماتٍ وأسباب، فيأخذُ العَبْدُ في الإتيانِ بالمقدمات ثم ينسخ قبل الفعل؛ كقصة إبراهيمَ - عليه السلام -.

"ومأخذ الفريقين في الصورتين واحدٌ:

فذهبتِ المعتزلةُ والحنفيةُ والصيرفيُّ وبعضُ الفقهاءِ إلى مَنْعِ ذلك.

وذهبتِ الأشعريةُ وأكثرُ الفقهاءِ إلى جوازه، واحتجوا بِمَسْلَكَينِ: العقل، والنقل:

أمَّا العَقْلُ: فقالوا: لو امتنع: فإما أنْ يمتنع لَذاته، أولما يلزمُ منه مِنَ الجمعِ بين النَّقِيضَينِ؛ وهو كونُ الشيءِ الواحِدِ في الزَّمَانِ الواحد من الشخص الواحدِ- حسنًا قبيحًا، مرادًا غَيرَ مرادٍ. أو للأمر المُعَلَّقِ على شَرْطٍ يَعْلَمُ الآمِرُ عَدَمَ بلوغه. أو لعدم تَصَوُّرِ النسخ؛ فإنَّهُ تخصيصٌ في الأزمنة، ولا يُعْقَلُ مع اتحادِ الوقت والفعل.

وبيانُ اللزوم: الإِجماعُ على أنه لو قُدِّرَ انتفاءُ جميعِ ذلك لجاز، وواضح أنه لا يمتنع لذاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>