قال الشيخ الإِمامُ، العالمُ، الفاضِلُ، المحقِّقُ، شرف الدِّين أبو عبدِ اللهِ بْنُ محمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الْفِهْرِيُّ، عُرِفَ بـ "ابْنِ التلْمِسَانيِّ"، تغمده الله برحمته.
هذا تعليقٌ أمليته معتصمًا بالله تعالى على "مَعَالِمِ أُصُولِ الْفِقْهِ" لمولانا الإمامِ العلَّامة فخْرِ الدِّينِ، حُجَّةِ الإِسلامِ محمَّدِ بْنِ عُمَرَ الخَطِيبِ الرّازِيِّ، قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ، ونَوَّرَ ضَرِيحهُ.
قال: أعْلمْ: أَنَّهُ لا بُدَّ من تقديمِ مقدِّمَةٍ بها يتبين حد هذا العلم، ومقصوده، ومادته؛ فإنه حَقِيقٌ على كل من يحاول الخوض في فن من فنون العلم -أن يحيط بذلك منه.
ولما كان علم أصول الفقه هو العلْمَ بأدلَّةِ الأحْكامِ الشرعيَّة؛ من حيث الإِجْمَالُ، وكيفية دلالتها على الأحكام، وحال المستدل -دار البحْثُ فيه على أمورٍ أربعة:
الدليل الشرعيِّ وأقسامهِ، والحكمِ الشرعيِّ وأقسامِهِ، ووجْهِ ارتباطِ الدَّليلِ بالحُكْم، وحال المستَدِلِّ به، وهو المجتهدُ.
وقولنا: من حيث الإِجمالُ: احترازٌ من عِلْمِ الفقه؛ فإِنَّ الفَقِيهَ ينظر في الدَّلِيلِ من حيثُ إِشْعَارُهُ بالمسأَلَةِ المعيَّنة، والأصوليُّ ينظرُ مِنْ حيثُ هو دليلٌ على الحكم على الجُمْلَة، لا من حَيثُ مسألةٌ معينةٌ.
ولما كانت الأدلَّةُ الشرعيَّةُ تُعْرَفُ من قول الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -؛ إذْ هو المبلِّغُ عن الله -تعالى- وإنِ انْقَسَمَ ما يبلِّغه إلى: مُعْجِزٍ؛ كالقرآن، وغيرِ مُعْجِزٍ؛ كالسنة، ولا حكم إلا لله -تعالى- في الحقيقةِ، وكان المبلَّغ لنا عربيًّا -: احْتِيجَ في البَحْث في هذا العلْمِ إلى طَرَفٍ صالحٍ