فَإِنْ كَانَ الأَوَّل- لَزِمَ: إِمَّا الأَمْرُ بِالْقُبْحِ، أَوْ النَّهْيُ عَنِ الحُسْنِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي- يَلْزَمُ الجَهْلُ فِي حَقِّهِ؛ وَهُوَ عَلَى الله تَعَالى مُحَالٌ.
الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَينِ:
الأَوَّلُ -وَهُوَ الَّذِي يَحْسِمُ الْمَادَّةَ-: أَنَّ هذَا الكَلامَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَحْسِينِ العَقْلِ وَتَقبِيحِهِ؛ وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ.
الثَّانِي: كَمَا يَحْسُنُ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ لِحِكمَةٍ تَنْشَأُ مِنَ الْمَأمُورِ بِهِ، وَالمَنْهيِّ عَنْهُ-: فَقَدْ يَحْسُنُ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ -أَيضًا- لِحِكمَةٍ تَنْشَأُ مِنْ نَفْسِ الأَمْرِ وَالنَّهْي؛ فَإِنَّ السَّيِّدَ قَدْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: "اذهَبْ إِلَى الْقَرْيَةِ غَدًا رَاجِلًا"، ويكُونُ غَرَضُهُ مِنْهُ: أَنْ يُظهِرَ فِي الْحَالِ انْقِيَادَ الْعَبْدِ لأَمْرِهِ، وَتَوْطِينَ نَفْسِهِ عَلَى الالْتِزَامِ بِذلِكَ الفِعْلِ الشَّاقِّ، مَعَ كَوْنِ السَّيِّد عَالِمًا بِأَنَّهُ سَيَرْفَعُ
===
وأجيب: بأَنَّ وُجُوبَ العزم على ما ليس بواجبٍ مُحَالٌ.
المقام الثالث: قالوا: أُمِرَ بالمقدمات وامتثل.
وأجيب: بأَنَّهُ لو كان كذلك لم يبق للفداءِ معنى.
المقام الرابع: أمر وتعذر الامتثال بانقلاب عنقه نُحَاسًا.
وأجب: بأنه من أغرب ما ينقل في القصة؛ فلو كان كذلك لتوافرت الدَّوَاعِي على نقله، ولتواتر، ولاشتملت الآيةُ عليه.
وضُعِّفَ: بأَنَّهُ لا مانِعَ من الدِّرَاسَةِ بعد التواتر، لا سيما واقعةٌ غُيِّرَ عليها دهورًا، وليس كُلُّ واقعٍ منقولًا في القرآن.
والأسَدُّ في الجواب: أنه ممتنع على أصولهم؛ فإِنَّهُ من تكليف المُحَالِ، وعلى أصولنا: أنه لا يبقى للفداء معنى.
المقام الخامس: قالوا أُمِرَ بالذَّبْحِ، وذَبَحَ، والْتَأَمَ، وهو باطِلٌ؛ بإيجاب الفداء.
وأما ما ذكره المصنف من المعارضة بإلزام التناقض، فقد تقدم الجواب عنه في المسلك العقلي، والله أعلم.
وقدِ اقتصر في هذا البابِ على أربعِ مسائِلَ؛ لأنَّها من أهمِّ ما يُذْكَرُ في النسخ، ولم يَذْكُرْ سواهُنَّ؛ لِقُرْبِ المأخذ فيهن.
ولا غِنى عنِ الإِشارة إليها، لا سيما مع وقوع الخلافِ في بعضها:
فمنها: أَنَّهُ يجوزُ نَسْخُ القرآنِ، خلافًا لأبي مسلم الأصفهاني، والدَّليلُ على جوازه وقوعه.
واحتجَّ: بقوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت ٤٣] والنسخ إِبطالٌ.
وجوابه: أَنَّه لا يمتنع حَمْلُهُ على نفى التكذيبِ.