قوله "فإذا أَجْمَعَت الأُمَّةُ دَلَّ حُصُولُ الإِجْمَاعِ على حُصُولِ قَوْلِ ذلك الإِمَامِ المَعْصُومِ، وقوله حُجَّة، فيكون الإِجْمَاعُ حُجَّةً بهذا الاعتبار".
يعني: لتضمنه قَوْلَ الإمام الوَاجِبِ الاتِّبَاعِ.
قوله:"فَيُقَالُ لهم: أما دَلِيلُكُم في إِثْبَاتِ الإِمَامِ المَعْصُومِ، فقد سَبَقَ الكَلامُ فيه في عِلْمِ الكَلَامِ":
يعني: أن مُستَنَدَهُم ما ذكرناه آنِفًا، وقد اعترض عليه بِوُجُوهٍ جَدَلِيَّةِ؛ بناء على تَسْلِيمِ ما بَنَوْا عليه اسْتِدْلالهمْ من التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيح العَقْلِيِّ، ووجوب الصَّلاحِ والأصلح على اللهِ تعالى، وأَقرَبُ ما يبطل به على أصلهم أَنَّ كُلَّ ما يُوجِبُونَ به وُجُوبَ عِصْمةِ الإمام الأَعْظَمِ يلزمهم في نُوَّابهِ، وَوُلاتِهِ، وقُضَاتِهِ، ودُعَاتِهِ، لا سيما مع بعد الخطة، وتعذر المراجعة في وَقَائِعَ لا تقبل التَّأخَير، ولم يُوجِبُوهَا لهم. ثم إن المَصْلَحَةَ الحَاصِلَةَ به إنما تثبت رعايتها لو كان ظاهرًا قَاهِرًا، وليس الأَمْرُ كذلك.
قال المُصَنِّف:"سلمنا ثُبُوتَهُ، لكن لم لا يَجُوزُ أن يُقَال: إن ذلك الإمَامَ قد أَفْتَى بِالبَاطِلِ على سبيل التَّقِيَّةِ والخوف، وعندكم أن ذلك جَائِزٌ منه؟ " وهذا واضح.
والتحقيق أن هذه المَسْأَلَةَ مَبْنِيَّة على التَّحْسِينِ والتقبيح العَقْلِيِّ، ووجوب الصَّلَاحِ والأَصْلَحِ على اللهِ -تعالى- المُرَتَّب على ذلك، وهذه قَاعِدَةٌ بَاطِلَةٌ على أصلنا، إلا أن الفَخْرَ اعتمد في إبطالها على طَرِيقٍ ضَعِيفٍ، وهو نَفْيُ الاخْتِيَارِ في أَفْعَالِ العِبَادِ، وزعم أن جُمْلَةَ أَفْعَالِهِمْ إما ضَرُورِيَّةٌ، أو اتِّفَاقِيَّةٌ، وأيًّا ما كَانَ يَلْزَمُ منه نَفيُ الاختيار، ومتى كانت كذلك لَزِمَ نَفْيُ التحسين والتقبيح العَقْلِيِّ؛ قال إذ لا قائل بالتحسين والتقبيح العَقْلِيِّ مع نَفْيِ الاختيار.
وأقرب ما يردُّ به عليه: أنه يَلْزَمُ منه نفي التَّحْسِينِ التقبيحَ الشرعي أيضًا؛ إذ لا قَائِلَ به مع نَفْيِ الاختيار، ثم ما ذكره خلاف إجماع الأَشعَرِيَّة والمعتزلة؛ فإنهم مُتَّفِقُونَ على انْقِسَامِ أَفْعَالِ العِبَادِ إلى اخْتِيَارِيَّةٍ واضطرارية، وإن اخْتَلَفُوا في تَفْسِير الاخْتِيَارِ، ومعنى الكَسْب؛ فإنهم يفرقون