للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقيل: الحُسْنُ والقُبْحُ صِفَتَانِ تابعتان للحدوث.

وقيل: وُجُوهٌ واعتبارات.

وقيل: صِفَةٌ في القبح دون الحُسْنِ.

ثم قسموا الأَفْعَال إلى ما تستقل العُقُولُ بِدَرْكِ الحُسْنِ والقُبْحِ فيها، وإلى ما لا تَسْتَقِلُّ إلا بتبينه من الشَّرعِ:

وما تستقل به العُقُولُ قِسْمَانِ: ضروري، ونَظَرِيُّ. فالضروري كَحُسْنِ الصِّدْقِ النَّافِعِ، وقبح الكَذِبِ الضَّارِّ. والنظري: كحسن الصدق الضار، وقبح الكذب النافع.

وما لا يستقل العَقْلُ بِدَرْكِهِ كَحُسْنِ صَوْمِ آخِرِ يَوْمٍ من رَمَضَانَ، وقبح صَوْمِ أَولِ يَوْمٍ من شوال، والشارع عندهم مُخبِرٌ عن حَالِ المحلِّ، لا أنه مُنْشِئٌ فيه حُكمًا، ويعتبر على أُصُولِهِم جوَاز النسْخِ.

وقد اعتمد الأَصْحَابُ في الرَّدِّ عليهم على أربعة مَسَالِكَ:

الأول: المُنَاقَضَةُ العَادِيَّةُ.

الثاني: المُنَاقَضَةُ الذِّهَنيَّةُ.

الثالث: المناقضة العَقْلِيَّةُ.

الرابع: البُرْهَانُ القَاطِعُ.

أما المُنَاقَضَةُ العادية: فقالوا: ادَّعَيتُمْ أن بَعْضَ الأفعال يُدْرَكُ حُسنُهَا وقُبحُهَا بضرورة العَقلِ، وحكم العِلم الضروري ألَّا يختلف فيه العُقَلاءُ عَادَةً، ونحن جَمْعٌ كثير نُخَالِفُكُمْ، وإذا بَطَل الضَّرُوريُّ بَطَلَ النَّظَرِيُّ المُرَتَّبُ عليه، فإن نسبونا إلى العِنَادِ عَكَسْنَا عليهم دَعْوَاهُمْ، ثم العناد إنما يُتَصَوَّرُ عَادَةً من شِرْذِمَةٍ يَسِيرَةٍ مع رُجُوعِهِمْ عن قَرِيبٍ، وقد تَوَالتْ علينا العُصُورُ ونحن مُصرُّونَ على ذلك.

فإن قَالُوا: نحن مُتَّفِقُونَ على التَّحْسِينِ والتَّقبِيحِ؛ فإنا نُحَسِّنُ كل ما تُحَسِّنُونَهُ، ونُقَبِّحُ كُل ما تُقَبِّحُونَهُ، وإنما اختلفنا في المَدْرك، والعَادَةُ لا تحيل الاخْتِلافَ في مِثْلِهِ؛ كاتفاق العُقَلاءِ غير الشُّذُوذِ على أن خَبَرَ التَّوَاتُرِ يُفِيدُ العِلْمَ مع اختِلافِهِمْ في كَوْنِهِ ضَرُورِيًّا، أو نظريًّا؛ وذلك لا يَقْدَحُ في إِفَادَتِهِ العِلْمَ.

قلنا: من أَصْلِنَا أنه يَحْسُنُ من الله -تعالى- إِيلام البَرَايَا من غير جَرِيمَةٍ سابقة، أو التزام عِوَضٍ لَاحق، وأنتم لا تُحَسِّنُونَ ذلك، لانا لم نَتَّفِق لا في اللَّفْظِ، ولا في المعنى؛ فإن معنى الحُسْنِ عندنا يَرْجِعُ إلى تَعَلُّقِ خِطَابِ الشَّرْعِ، وهو إِضَافَةٌ، والقول لا يُكسِبُ الفِعْلَ صِفَةً، وإلا لم يَتَعَلَّق بالمَعْدُومِ. ومعنى ذلك عندكم يَرْجِعُ إلى صِفَةٍ في المحل، ونحن نَافُونَ لها في صورة فقط.

وَأَمَّا المُنَاقَضَةُ الذِّهَنيَّةُ: فإنهم حَسَّنُوا الأمَ إذا اشتمل على مَصْلَحَة رَاجِحَةٍ، ولم يحسنوا الكَذِبَ وإن اشتمل على نَجَاةِ نَبِيٍّ، فالتزم أبو هاشم طَرْدَهُ، وقال: أُحَسِّنُهُ، فقيل له: من أَصْلكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>