العَصْرِ الأول إذا رَجَعُوا إلى أَحَدِ القولين، فإن كَانَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الخِلافِ، كان حجة. وإن رَجَعْوا بعد اسْتِقْرَارِ الخِلافِ، فمن اعتبر انْقِرَاضَ العَصْرِ جَوَّزَ وُقُوعَهُ، وقال: هو حُجَّةٌ. ومن لم يَعْتَبِرْهُ فمنهم من مَنَعَ وْقُوعَهُ، والحق أنه بَعِيدٌ، إلَّا أن تكون الفرْقَةُ الراجعة قليلة؛ لأن الرجوع من الجَمْعِ الكثير إنما يكون لظهور خَبَرٍ قَاطِعٍ، أو قياس جلي، وفَرْضُ ذُهْولِ العَدَدِ الكثير عنه بَعِيدٌ في العادة، والمُجَوِّزُونَ لِتَصَوُّرِ وقوعه اختلفوا فيه.
واحتج المَانِعُ بأنه يَلْزَمُ تَعَارُضُ الإجماعين، ويلزم الاتفاق على الخَطَأ.
وأجيب: بأن الإجماع الأَوَّلَ مَشْرُوطٌ بعدم الوُقُوفِ على قَاطِعٍ، ولا يقال: فيلزم مثله في كل إِجْمَاع؛ لأن الإجماع القاطع منع منه.
خاتمة: إِنْكَارُ الإجْمَاعِ الظَّنِّي لا يُوجِبُ التَّكفِيرَ، وأما القَطْعيُّ فَكَفَّرَ به بَعْضُهُمْ، والتحقيق أن المتفق على ما يُكَفَّر به ثلاثة أمور:
الأول: ما يكون نَفْسُ اعْتِقَادِهِ كفرًا؛ كاعتقاد أن صَانِعَ العَالمِ عِلَّةٌ، أو طبيعة.
الثاني: ما تَقَرَّرَ في الشَّرْعِ أنه ما يَصْدُرُ إلا من كَافِرٍ؛ كإلقاء المُصْحَفِ في القَاذُورَاتِ.
الثالث: إِنْكَارُ ما عُلِمَ كَوْنُهُ من الدِّينِ ضَرُورَة من غَيرِ عُذْرٍ؛ كإنكار من لَيسَ قَرِيبَ العَهْدِ بالإسلام- وُجُوبَ الصَّلاةِ، وإنكار الإِجْمَاعِ القاطع من هذَا القِسْمِ.
أما التَّكْفِيرُ بالمآل فاختلف فيه: فَذَهَبَ الأَشْعَرِيَّة إليه، وخالفه غيرهم، وإلى هذا مَيلُ الشافعي؛ فإنه قَال بِقَبُولِ شَهَادَةِ المبتدعة، إلا الخطابية.
وسئل مَالِكٌ عن القدري فقال مرة: كافر يُقتَلُ وقال مرة: يُضْرَبُ ويُحْبَسُ حتى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، وفرق بين تكذيب الله -تعالى- والكذب عليه، والأَوَّلُ يكفر به بالاتفاق، والثاني مُخْتَلَفٌ فيه.