للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالدلِيلُ عَلَى الفَرقِ بَينَ البَابَينِ: أَن الفَتوَى تَقتَضِي ثُبُوتَ حُكم في حَق شَخصٍ مُعَين، في زَمَان مُعَين. وَأَمَّا التمَسكُ بِخَبَرِ الوَاحِدِ، فَإنهُ يُوجِبُ شَرعًا بَاقِيا عَلَى كُل المُكَلفِينَ إلى قِيَامِ يوْمِ القِيَامَةِ، بَلِ الطاهِرُ أَن الحَق مَا ذَكَرنَاهُ؛ لان أُولَئِكَ القَبَائِلَ كَانُوا عَوَام، فَكَانُوا مُحتَاجِينَ إِلَى المُفتِي، وَلَمْ يَكُنْ بَينَهُم مُجتَهِد حَتى يُقَال: إِنهُ كَانَ يَجتَهِدُ بنَاءً عَلَى خَبَرِ الوَاحِدِ.

الحُجةُ الثالِثَةُ: أنَّ بَعضَ الصَّحَابَةِ عَمِلَ بِمُقتَضَى خَبَرِ الوَاحِدِ، وَسَكَتَ البَاقُونَ عَنِ الإنكَارِ، وَمَتى عَمِلَ البَعضُ، وَسَكَتَ البَاقُونَ عَنْهُ حَصَلَ الإجمَاعُ.

وَإنما قُلْنَا: إنهُ عَمِلَ بَعضُ الصَّحَابَةِ بِمُقتَضَى خَبَرِ الوَاحِدِ؛ لأنهُم عَمِلُوا عِند سَمَاعِ ذلِكَ الخَبَرِ عَلَى وَفقِ ذلِكَ الخَبَرِ؛ فَوَجَبَ أن يَكُونَ لأجلِهِ:

بَيَانُ الأولِ: بِالرِّوَايَاتِ.

وَبَيَانُ الثانِي: هُوَ أَن الظَّاهِرَ عَدمُ غَيرِهِ.

وَأَما أَنهُ سَكَتَ الباقونَ عَنِ الإنكَارِ، فَهُوَ أَنهُ لَوْ حَصَلَ ذلِكَ الإِنكَارُ لاشتَهَرَ، وَلَو أَشتَهَرَ لنُقِلَ، وَلَوْ نُقِلَ لَوَصَلَ إِلَينَا, ولَمَّا لَمْ يَصِل إِلَينَا؛ عَلِمنَا أَنهُ لَمْ يوجد.

===

ومما أورد على هذه الحُجةِ: أنه جَازَ أن يكون عملهم بذلك؛ لِعِلمِهِم بما أخبروا به؛ لاحتِفَافِهِ بِقَرَائِنَ.

وجوابه: أَنا لا ننكر اتفَاقَ ذلك في بَعْضِ الوَقَائِع على نُدُورٍ, أما وُقُوعُهُ في كل ما أخبروا به مع كثرتها، فنعلم بالعادة نَفيَهُ, والله أعلم.

قوله: "الحجة الثالثة: أَن بَعضَ الصَّحَابَةِ عمل بخبر الوَاحِدِ، وسَكَتَ البَاقُونَ عن الإِنكَارِ، وذلك يوجب الإجماع, وإنما قُلْنَا: إن بعض الصَّحَابَةِ عمل بخبر الوَاحِدِ؛ لأنهم عملوا عند سَمَاعِ ذلك الخَبَرِ على وَفقِ ذلك الخَبَرِ، فوجب أن يَكُونَ لأَجلِهِ: بَيَانِ الأول: بالروايات. وبيان الثاني: هو أَن الظاهر عدم غيره، وأما أنه سَكَتَ البَاقُونَ عن الإنكار، فهو أنه لو حصل ذلك الإنكار لاشتهر، ولنقل، ولوصل إلينا؛ ولما لم يصل إلينا، علمنا أنه لا يُوجَدُ. وأما أنه متى حَصَلَ عملُ البَعضِ، وسكت البَاقُون عن الإنكار حصل الإجماع؛ لأنه لو كان باطلًا لوجب إظهار الإنكَارِ، وإلا لكانت الأُمةُ مُجمِعِينَ على الخَطَأ، وذلك باطل؛ فَوَجَبَ أن يَكُونَ الحُكمُ حَقًّا، وهو المَطلُوبُ": وما ذكره من التقريرِ واضح لا ليس فيه، إلا أنه لم يَنقُل من الوقَائِع التي عملوا فيها بخبر الوَاحِدِ شَيئًا؛ طَلَبًا للاختِصَارِ.

وقوله في تَقديم أنهم عَمِلُوا لأجلها: "لأن الظاهِرَ عدَمُ غيرها" فإن المحتجين بها يَدعُون العَمَلَ بها؛ جَزمًا بِقَرَائِنِ الأحوَالِ لا ظاهرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>