أَدَاءِ الشَّرِيعَةِ؛ وَذلِكَ مُحَالٌ عَلَى الأُنْبِيَاءِ، عَلَيهِمُ السَّلامُ.
إِذَا ثَبَتَ هذَا؛ فَقَدْ كَانَ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَى ذلِكَ الرَّاوي: إِيصَالُ ذلِكَ الحُكمِ إِلَى كُلِّ الْمُكَلَّفِينَ، وَالسَّعْيُ فِي تَشهِيرِهِ، وَتَبْلِيغِهِ إِلَى الكُلِّ؛ لَكِنَّ الرُّوَاةَ مَا فَعَلُوا ذلِكَ، وَإِنَّمَا رَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذلِكَ الْخَبَرَ بَعْدَ دَهْرِ بَعِيدِ وَزَمَانٍ طَويلٍ؛ فَكَانَ ذلِكَ خِيَانَة عَظِيمَةً صَادِرَةً عَنْهُمْ فِي الدِّينِ؛ وَظُهُورُ الْخِيَانَةِ يُوجِبُ رَدَّ الرِّوَايَةِ.
الْجَوَابُ عَنِ الأَوَّلِ: أَنَّ دَلِيلَكُمْ عَامٌّ فِي الْمَنْعِ مِنَ العَمَلِ بِالظَّنِّ، وَدَلِيلُنَا فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ خَاصٌّ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ.
الْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَبعُدُ أَنْ يُقَال: إِنَّ الشَّرَائِعَ عَلَى قِسْمَينِ: مِنْهَا مَا يَجِبُ إِيصَالُهُ إِلَى كُلِّ الْمُكَلَّفِينَ بِالنَّقْلِ المُتَوَاتِرِ، وَمِنْهَا مَا يَجِبُ إِيصَالُهُ إِلَيهِمْ بِرِوَايَةِ الآحَادِ.
الْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ: أَنا نُسَلِّمُ أَنَّ أَكْثَرَ هذِهِ الألَفَاظِ لَا تَكُونُ أَلْفَاظَ الرَّسُولِ - عَلَيهِ السَّلامُ - وَإِنَّمَا هِيَ أَلْفَاظُ الرُّوَاةِ؛ إِلَّا أَنَّ الأَحْكَامَ تَصِيرُ مَعْلُومَةً مِنْهَا.
الْجَوَابُ عَنِ الرَّابع: أَنَّ إِظهَارِ الْحُكمِ الشَّرْعِيِّ إِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَلَمَّا لَمْ تَحْصُلِ الْحَاجَةُ إِلَّا فِي ذلِكَ الْوَقتِ - لَا جَرَمَ: حَسُنَ مِنَ الرَّاوي تَأخِيرُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ إِلَى ذلِكَ الْوَقتِ.
===
وأُجِيبَ عن الأَوَّلِ: بأنه بَاطِلٌ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ، وقول المُفْتِي، وقَبُولِ خَبَرِ المرأة في الطُّهْرِ والحَيضِ، وقَبُولِ خبر بَائِع اللَّحْمِ أنه مُذَكَّى.
وعن الثَّانِي: أن للظَّنِّ مَدْخَلًا في الفُرُوعِ بالإِجْمَاعِ دون الأُصُولِ.
وعن الثالث: أن القُرْآنَ مُعْجِزَةٌ، فقضت العَادَة بالتَّوَاتُرِ فيها.
وعن الرابع: يُعْمَلُ بالرَّاجِحِ، وعند التَّسَاوي التخيير أو الوقف.
وعن الخامس: إنما شرط في مُعْجِزةِ الرَّسُولِ العِلْم؛ لأن سائر السَّمْعِيَّاتِ تَنْتَهِي إليها، والظَّنُّ إنما يَجِبُ العَمَلُ به لاسْتِنَادِهِ إلى القَطْعِ.
وعن السادس: وهو قولهم: "إن حَقَّ العَمَلِ أن يَكُونَ تَابِعًا":
قلنا: الأَمْرُ كذلك، وإنما أَوْجَبْنَا العَمَل عندها لأدلة قَاطِعَةٍ، وهو ما علم من سِيرَتِهِ - عليه السلام - وسِيرَة الصَّحَابَةِ.
وأما المَانِعُونَ لعدم دَلِيلٍ: فحاصل ما يذكرونه من نَفْي المَدَارِكِ يرجع إلى طَلَبِ دَليلٍ، وقد أقمنا الدَّليلَ عليه.
وأما المَانِعُونَ له سَمْعًا: فشبهتهم: ما أَشَارَ إليها من الظَّوَاهِرِ المَانِعَةِ من اتبُاع الظَّنَّ، والعمل بغير العِلْمِ، وأن في الكتاب غُنْيَةً عنه، وقد تَقَدَّمَ الجَوَابُ عن الجَمِيع، والله علم.