أهْلُ الظاهر كَابْنِ دَاوُدَ والقَاشاني والنَّهْرَوَانيِّ، ثم اختَلَفُوا في مَأْخَذِ ذلك:
فمنهم: مَن زَعَمَ أنَّه لا دليلَ علَى التعبُّد به؛ فينتفي.
ومنهم: مَنْ نَفَاهُ لوجودِ النافي له من الكِتَاب والسُّنَّة والإِجماعِ على زعمه؛ وسَاعَدَنا بَعضُهُم على العَمَلِ بالقياسِ في معنى الأَصْل قَطعًا؛ كإِلحَاق الأَمَة بالعبد في سراية العِتْقِ. وقياسِ الأولى؛ كقياسِ العَمْيَاءِ على العَوْرَاءِ في مَنْعِ التَّضْحِيَةِ بها - وعلى كُلِّ قياسِ دلَّ النصُّ أو الظاهرُ أو الإيماءُ على التعليلِ فيه وكُلِّ ما يمكنُ التَّنْصِيصُ عليه؛ كَقِيَمِ المُتلَفَاتِ، وأُرُوشِ الجنَايَاتِ، وتَقدِيرِ النَّفَقَاتِ.
وكان الحَامل لهم عَلَى تَسْلِيم الأَوَّلِ والثانِي القَطْعَ، أو أنَّه لَيس بقياسٍ، وعلى الثالث: أنَّ النصَّ على التعليلِ نصَّ على التعميمِ؛ بِنَاءً علَى أنَّ العلَّة الشرعيَّةَ لا تَقْبَلُ التخصيصَ، فمتَى نَصَّ الشارعُ علَى علَّةٍ، فلازمُ علَّتها ثُبُوتُ الحُكم بها أينَمَا وُجِدَتْ، وعلى الرابع الضَّرُورَةَ؛ لتعذُّر التنصيصِ عَلَيهِ على الإفْرَادِ.
المذهَبُ الثالِثُ: أَنَّهُ جائزٌ عَقلًا وشَرْعًا، ويجبُ التعبُّد به شرعًا، وهو مَذهَبُ أكثَرِ الفقَهَاءِ والمتكلِّمين على الجملةِ، وإِنِ اخْتَلَفُوا في تفاصِيلَ:
منْهَا: أن القَفَّال وأبا الحُسَينِ يزعُمَانِ أن دَلَالةَ العقلِ علَيهِ أيضًا.
ومنْها: أنَّ أبا الحُسَين يزعُمُ أن دَلَالةَ السَّمْع عَلَيه ظنِّيَّة، والحقُّ أن بعْضَ ما تمسَّكوا به كذلك.
ومنها: قَوْلُ بعضِهم: "إِنه لا يجري في الأَسْبَاب والمَوانِعِ والشُّرُوطِ".