للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَثَبَتَ: أَنَّ الاعْتِبَارَ عِبَارَةٌ عَنِ الْعُبُورِ، وَالْقِيَاسُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى الْعُبُورِ؛ لأَنَّ الرَّجُلَ يَعْبُرُ مِن مَعْرِفَةِ حُكمِ الأَصْلِ إِلَى مَعْرِفَةِ حُكمِ الفَرعِ؛

فَثَبَتَ: أَنَّ الْقِيَاسَ دَاخِلٌ تَحْتَ حُكمِ الاعْتِبَارِ؛ فَكَانَ الأَمْرُ بِالاعْتِبَارِ أَمرًا بِالْقِيَاسِ.

ولِقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: كُلُّ مَنِ اسْتَدَل بِشَيءٍ عَلَى شَيءٍ، فَقَدِ انْتَقَلَ مِنَ الدَّلِيلِ إِلَى المَدْلُولِ؛ فَكَانَ مَعْنَى الاعْتِبَارِ حَاصِلًا فِيهِ.

إِذَا ثَبَتَ هذَا، فَنَقُولُ: الدَّلِيلُ قَد يَكُونُ عَقْلِيًّا، وَقَذ يَكُونُ نَقْلِيًّا قَطعِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ [نَقْلِيًّا] ظَنِّيًّا مِن بَابِ التَّمَسُّكِ بِأَخْبَارِ الآحَادِ وَالْعُمُومَاتِ الْمَظنُونَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّمَسْكِ بِاسْتِصْحَابِ الحَالِ، وَقَذ يَكُونُ مِن بَابِ التَّمسُّكِ بِالْقِيَاسِ، وَالاعْتِبَارُ هُوَ الْمَفْهُومُ الْمُشتَرَكُ بَينَ الكُلِّ، وَمَا بِهِ الْمُشَارَكَةُ غَيرُ مَا بِهِ الْمُخَالفَةُ، وَغَيرُ مُستَلْزِمِ لِشَيءٍ مِنْهَا،

===

الأَمْرِ، فلم يَبْقَ له دَلالةٌ على الْقِيَاسِ.

سَلَّمنا دَلَالتَهُ على القِيَاسِ، لكنه مُطلَقٌ، والمطلَقُ تتأتى دلالتهُ بصورةٍ، ونحن نقولُ به؛ فإنا نحملُهُ على القِيَاسِ المقْطُوع به، أو قياسِ الأَوْلَى، أو المَنْصُوصِ على عِلَّتِه، أو عَلَى ما يتعذَّر التنصيصُ علَيهِ.

سلَّمنا دلالتَهُ على جميعِ الأقْيِسَةِ، لكنَّها دَلَالةٌ ظَنِّيَّةٌ، والمسألةُ عِلْمِيَّةٌ؛ لأنه بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ؛ فيكون أَصْلًا في الشريعة تستَنِدُ إليه كثيرٌ من الأَحْكَام، ومثله لا يثبت بالظَّنِّ.

والجوابُ عن الأَوَّل: أَنَّا قد دلَّلْنَا على استعمالِهِ بمعنَى المجاوَزَةِ، وبيَّنَا أنَّه قَدْرٌ مُشْتَرَك في جميعِ صُوَرِ الإِطلاقِ من الاتعاظِ والدَّلالة وغَيرِهِمَا؛ فيتعيَّن أن يكُونَ حقيقةٌ فيه؛ دَفْعًا لِلاشتِراكِ والمَجَازِ.

قولُهُمْ: "السِّيَاقُ مانِعٌ من حَمْلِهِ على القياسِ":

قلْنَا: نحنُ لا ندَّعِي تناولَهُ لصُوَرِ القياسِ بخصوصيَّاتها، وَإِنما ندَّعِي أنَّه أَمْرٌ بالقَدْرِ المُشْتَرَكِ بين القياساتِ كلِّها، والاتِّعاظُ إِنَّما يتحقَّق بالقياسِ، وهو: أنَّكم إذا فَعَلْتُم فِعْلَهُمْ لم تأمَنُوا أن يَنْزِلَ بكم ما نَزَلَ بهم.

قوله: "الأَمْرُ بالماهيَّةِ الكُلِّيَّةِ لا يكُونُ أمْرًا بشيءٍ مِن جزئياتها":

قلنا: نُسَلِّمُ أنَّه لا يَسْتَلْزِمه بعَينه، لكنْ يَعُمُّها بقَدْرٍ مشتَرَكٍ، ولأنه إن لم يَدُلُّ عليه حقيقة لا يمتنع إرادَتُهُ إذا دَلَّ عليه دليلٌ، وقد دَلَّ عليه دليلٌ؛ وهو صحَّةُ استثناءِ أَيِّ فَرْدِ كان من الاعتبارِ منْهُ، والاستثناءُ حقيقةٌ في إِخراج الدَّاخِلِ، والسؤالُ قَويٌّ.

قوله: "نحملُهُ على العَمَلِ بَالأَقْيِسَةِ المتَّفَقِ عَلَيهَا":

قلنا: تخصيصٌ، وَتَقييدٌ بغَير دليلٍ.

قوله: "الدَّلَالةُ ظَنِّيَّةٌ":

<<  <  ج: ص:  >  >>