إنما قال:"بعضَ الناس"، ولم يقل "الصَّحَابَة"؛ ليعُمَّ إِجماعَ الصحابةِ والتَّابِعِينَ، وهذه الحُجَّةُ هي التي عَوَّل عليها المُوجِبُونَ للتعبّد بالقياسِ شرعًا، وما يُذْكَرُ من نصوص الكتابِ والسُّنَّةِ؛ فكان مجمُوعُهَا هو مستَنَدَ الإجْمَاعِ، والقاطعُ في المسْأَلةِ هو الإِجْمَاعُ، وقد تقدّم الاعتراضُ عَلَيهَا والجوابُ في العَمَلِ بخَبَرِ الآحادِ؛ فلا حاجَةَ إلى إِعادته.
والذي نُريدُهُ الآنَ التنبيهُ على بعْضِ صور الأقْيسَةِ التي عَمِلَت بها الصحَابَةُ، وتصرِيحِهِمْ بالاعتمادِ علَيهِ؛ لتَخْرُجَ الحُجَّةُ عن مُجَرَّدِ الدعْوَى:
ومِنْ ذلك: لمَا وَرَّثَ أُمَّ الأُمِّ، ولم يُوَرِّث أُمَّ الأب، قال له رَجُلْ مِنَ الأَنْصَارِ: لَقَدْ وَرِّثْتَ امْرَأَةً مِنْ مَيِّتٍ، وَلَوْ كانَتْ هِيَ المَيِّتَةَ، لم يرثْهَا، وتركت امرأة لو كانت هي الميِّتَةَ، ورث جميع ما تركَتْ؛ فرجع إلى التَّشْريكِ بينهما في السُّدُسِ، وقولُهُ في قتالِ مَانِعِي الزَّكاةِ: "لا أُفَرِّقُ بَينَ مَا جَمَعَ الله".
وكان أبو بَكْرٍ يَرَى التسْويَةَ في العطاءِ، فقال له عُمَرُ: لا تَجعَلْ مَن تَرَك دِيَارَهُ وأَمْوَالهُ، وهاجَرَ إِلَى الله ورَسُولِه - صلى الله عليه وسلم - كَمَنْ دَخَلَ في الإِسْلام كُرْهًا الآنَ، فقال أبو بكرٍ - رضي الله عنه -: إنَّمَا أَسْلَمُوا للهِ، وأُجُورُهُمْ على الله، وإِنَّمَا الدُّنْيَا بَلاغٌ، فلما انتهَتِ النوْبَةُ إلى عُمَرَ، وَزَّع على التفاوتِ.