للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فالفَزغُ والحُكمُ لا بُدَّ من التصريحِ بهما؛ لأنَّهما عينُ الدعْوَى ونتيجةُ القيَاسِ المَطلُوبَةُ.

وأمَّا العلَّةُ والأَصْلُ: فتارَة يصرَّحُ بهما، وتارَة لا يصرحُ بهما، وتارَةً يصرحُ بالعلَّة دُونَ الأصَلِ، وتارَةً يصرحُ بالأَصْلِ دون العلَّة:

أما العبَارَةُ الأُولَى، وهي التصريحُ بهما، فكقولنا: "النَّبِيذُ مُسْكِرٌ؛ فَيَحْرُمُ؛ قياسًا على الخَمْرِ"، وهذه العبارَةُ أتَمُّ العباراتِ، وهي متَّفَقٌ على صحَّتها عند القائِلينَ بالقيَاسِ.

وأما العبارَةُ الثَّانِيَةُ، وهي ألا يُصَرَّحَ بالعلَّة، ولا بالأَصلِ- فكقولهم: "وُجِدَ المُقْتَضِي لِتَحْرِيم النَّبِيذِ؛ فَيَحْرُمُ"، والأكثرُونَ على عدمِ قَبُولها؛ لكونها وَعْدًا بالدليلِ؛ إِذ معناها أنَّه وُجِدَ المقتَضِي الَّذي سَأُبَيِّنُهُ.

وقولُهُمْ في تصحيحها: "إنها تندرجُ تَحتَ حَدِّ الدليلِ؛ فتكون دليلًا؛ فإنَّ حَدَّ الدليلِ: مَا يَلْزَمُ مِن تَسْلِيمِهِ تَسْلِيمُ مَحَلِّ النزاعِ" - باطلٌ؛ فإنَّ ما ذكروه مِن حَدِّ الدليلِ ينتقضُ بالشبهةِ؛ فإنه لو قال قائِلٌ: البارئُ - تعالى - موجودٌ، وكُلُّ موجوبدٍ في جهةٍ، وسُلِّمَتِ المقدِّمتانِ، لَزِمَ منها أنَّ البارِئَ - تعالى - في جهةٍ، وهذه شُبْهَةٌ، وَلَيسَت دَلِيلًا؛ بل حَدُّ الدليلِ هو المعلومُ الَّذِي يُمْكِنُ التوصُّلُ بصحيحِ النَّظَرِ فيه إِلَى مطلوب خَبَرِيٍّ، ولا يخفَى ما فيه مِنَ الاحترازاتِ.

وما يَجْمَعُ العبارةَ الثالِثَةَ: أنْ يُصَرِّحَ بالعلَّة دون الأَصْلِ؛ فيقول: الشِّدَّةُ المُطرِيَةُ عِلَّةٌ للتَّحْرِيمِ، وقد تحقَّقت في النَّبيذِ؛ فَيَحْرُمُ. والأكثَرُونَ على قَبُولها، ومنْهُمْ من ردَّها؛ وقال: القياسُ رَدُّ فَرْعٍ إلَى أصْلٍ بِعلَّةٍ، ولم يذكُرِ الأَصْلَ، والخلافُ فيها مبنيٌّ على أن الأَصْلَ يُذكَرُ في القياسِ؛ لأنَّه جزءُ الدليلِ، أو لأنَّه دليلُ الدَّليلِ: فَمَنْ يَزْعُمُ أنَّ المُثبِتَ للحكم في الفَرْعِ إِنما هو العلَّة، وأنَّ المناسَبَةَ والقِرَانَ في الأصل دليلُ العِلِّيَّةِ - فلا يتعيَّن عليه ذكرُ دليلِ الدَّليلِ في التحديدِ أَوَّلًا، وإِنما يذكر أولًا المَسْتَلْزِم للحُكم، وهو العِلَّةُ، فإذا نُوزعَ في عِلَّتِهَا، أثْبَتها بذلك أَوْ بما يَدُلُّ عليها مِن مَسَالِكِ التعليلِ؛ وهو الحَقُّ، أو يقال: إِنَّ الشيءَ قد يُحْذَفُ للعلْم به، والتصريحُ بالعلَّةِ يشيرُ إِلَى مَحَالِّها من مواقِعِ الإِجْمَاعِ، لا سيَّما علَّةٌ مشهورةٌ بين النُّظَّارِ؛ كقولنا: "القَتْلُ العَمدُ والعُدْوَانُ: سَبَبُ القِصَاصِ، وقد تحقَّق ها هنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>