وقد عَلِمْتَ أنَّ الفقهاء اصطَلَحُوا عَلَى قَصْر اسْم القياسِ على التَّمْثِيلِ، وهو الاستدلالُ بالجُزئِيِّ على الجُزئِيِّ؛ لاشتراكهما فيما لأَجْله شُرعَ الحُكمُ، وهو أَخَصُّ من الرأْي المعمولِ به شَرْعًا، ويسمُّون ما يتركب على غَيرِ صِيغَةِ التَّمْثيل استدلَالًا ويرسُمُونَهُ بأنَّه: ما يَلْزَمُ مِن تَسْلِيمِهِ تَسلِيمُ المطلوب، وليس بنصٍّ ولا إِجْمَاع ولا قياسٍ؛ فيندرج تَحْتَهُ ما يوضَعُ على صيغةِ الحَمْلِيِّ؛ كقولنا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، وكُل مُسْكِرٌ حَرَامٌ، ويقرِّرُونَ كُل مقدِّمةٍ بما يُسَاعِدُ علَيهَا مِن عَقْلٍ أو عُرْفٍ أَو نَقْلٍ، وَيَنْدَرجُ فيه الشَّرْطيُّ المُتَّصِلُ، وهو ما اسْتُعْمِلَ بكلمة "إِن" أوْ ما يَقُومُ مَقَامَها.
واللازمُ عَنهُ ثبوتُ الثَّانِي لثبوتِ الأَوَّل، ونَفيُ الأول لنَفْي الثاني، ولا يلزم مِنْ نَفْي الأَوَّلِ نفْيُ الثاني، ولا مِن ثُبُوتِ الثَّانِي ثبوتُ الأَوَّلِ؛ لاحتمال أنْ يكُونَ الثاني أَعَمَّ، وإنْ كان الاستثناءُ فيه بإِثباتٍ، فالأحْسَنُ اسْتعمالُهُ بكلمة "إِنْ"؛ كقولك:"إِنْ كَانَ هذا إِنْسَانًا، فَهُوَ حَيَوَان لكنه إنسان فهو حيوان" وإن كان: الاستثناءُ بالنَّفْي، فالأَحْسَنُ اسْتعمالُهُ بكلمة "لَو"؛ فإنها تدلُّ على الامتناعِ؛ كقولك:"لَوْ كَانَ هذَا إِنْسَانًا، لَكَانَ حَيَوَانًا، لَكِنَّهُ لَيسَ بِحَيَوَانٍ؛ فَلَا يَكُونُ إِنْسَانًا" وقد تُحذَفُ إِحدى المقدِّمَتَينِ؛ لشهرتها؛ كقوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء ٢٢]،