للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالذِي يَدُل عَلَى صِحةِ قَولِنَا وُجُوه:

الأَولُ: أَنهُ إِذَا اعتقَدَ أَحَدُ المُجتَهِدَينِ أَن الطُّعمَ أَولَى بِكَونِهِ عِلَّةَ لِحُرمَةِ الربَا، [و] الثانِي اعتَقَدَ أَنهُ لَيسَ أَولَى بِهذِهِ العِليةِ -فَهذِهِ الصفَةُ فِي نَفسِ الأمرِ: إنْ كَانَت أَوْلَى بِهذِهِ الْعِلِّيَّةِ- كَانَ الثانِي مُخطِئًا، وَإِن لَمْ تَكُنْ أَولى بِالعِليةِ، كَانَ الأول مُخطِئًا؛ فَثَبَتَ أَنهُ لَا بُد وَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُخْطِئًا فِي نَفسِ الأَمرِ.

===

الفطرة، ووجوبُ ذلِكَ عَلى الأَعيانِ يُفْضِي إلى تَعطيلِ المعاشِ الذِي بِهِ قِوَامُ الوجودِ، وَلَيسَ ذَلِكَ فِي وسعِ غالبِ الناسِ؛ ويؤَدِّي إِلى تكليفهم بمَا لَا يطاقُ، وَهُوَ كإلزَامِ الأَعمى أَن يَتَعَلمَ أَسبابَ القِبلَةِ.

وَقَدِ اختَلفوا فِي أَنَّه: هَل يَصِح الاتصَافُ بأهليةِ الاجتهادِ فِي بعضِ الأَحكامِ دُونَ بَعضٍ؟ ، والأقربُ صحته؛ فَإنه لا مانعَ أَن يكونَ عالِمًا بأحكامِ المواريثِ، مُحكِمًا لأصُولِها دونَ غيرها؛ كَما أنه يكونُ عالِمًا بأسبابِ القِبلَةِ وَالأَوقاتِ دونَ غيرِهَا.

وَاحتَج المصححونَ بِأنه إِذَا اطلَعَ على مَا يتعلقُ بالمسألةِ، فَلا فَرقَ بين نظرِهِ وَنَظَرِ المجتهدِ المُطلَقِ.

واعترضَ عليهِ بِأنهُ قَد يكونُ لِمَا لَم يعلَم تَعلقهُ بما عَلِمَهُ، ويعتقدُ خلافَهُ.

وَأُجِيبَ عَنِ الجوابِ بِأن الشرطَ حُصُولُ جَمِيعِها فِي ظَنهِ.

واحتجَّ أيضًا بما رويَ عن مالك؛ أنه سُئِلَ عن أربعينَ مسألة، فقال في سِت وثَلاثِينَ: لَا أَدرِي.

وأجيب: بأن ذلك للتثبتِ أو العَجزِ عن المبالغَةِ في الحالِ.

وبالجملةِ فلم يَصِر أحد إِلَى أنه يشترطُ في المجتهد أن يَكُونَ عالمًا بكُل مسألة تَرِدُ عليه، وقد توقف كثير من الصحابة في كثير من المَسَائِلِ.

وقال بعضهم: مَن أَفتَى في كُلِّ مسألة ما يُسألُ عنه، فهو مَجنُون؛ بل الشرطُ ألا يُفتِيَ إِلَّا فيما يَعلَم.

وهَل تُقبَلُ فتوَى مبتدع لا يُكَفر ببدعتِهِ؟ فيه من الخلافِ ما تَقَدم ذكره في الإِجماعِ.

ومما ينبه له أن المجتهدَ لَا يَجوز له الحكمُ ما لم يستفرغ جُهدَهُ في التخصِيصِ، والمُعَارِضِ للحُكمِ.

وكيفية اجتهادِهِ:

قال الشافِعي: "إِذا رُفِعَت إليه واقعة، فليعرضهَا على نصُوصِ الكتابِ، فإن أَعوَزَهُ، فعلى الأخبارِ المتواتِرَةِ، ثم على الآحَادِ، فإن أعوَزُه، لم يَخُضْ في القياسِ، بل يَلتَفِتُ إِلَى ظواهر القُرآنِ، فإن وَجدَ ظاهرًا، نظَرَ في المخصصات من خَبَر أَو قياس، فإن لم يَجِد مخصِّصًا، حَكَمَ به، وإن لم يعثُر على لفظ من كتابِ اللهِ تعالى وسُنةِ رسوله، نظَرَ في

<<  <  ج: ص:  >  >>