المسلك الثاني الحكم لو كان خاصًّا، لَنَصبَ الله عَلَيهِ للمكلفِ دليلًا يخصصه، ولو كان لَوُقِفَ عليه بعد البَحثِ. وهذه أيضًا ضعيفة؛ لأنه لا يَبعُدُ اطلاعُ بعضِ العلماءِ عَلَيهِ، وإن لم يبلُغ ذلك المُجتَهِدَ.
وقال الغَزالي: يُشتَرَطُ في حقه قَطْعٌ وظَنٌّ:
أما القَطعُ: فبالإضافةِ إِلَى نَفسِهِ بأن يحسَّ العَجزَ من نَفسِهِ.
أما الظن: فبانتفاء الدليلِ المُخَصص والمعارِضِ في نَفْسِ الأَمرِ.
تَتِمة: ذَكَرَ الغَزالي في صفات المجتَهِدِ تحقيقاتِ:
منها: أنه قال: لَا يَجُوزُ التقليدُ في قواعِدِ الإيمانِ، ولا شَك أنه من مبادِئِ العُلُوم الشرعيةِ كُلها، ويكفي لمن أراد البَحثَ في علم أن يأخُذَ مبادِئَهُ مِن عِلم آخر مسلمة، لكنه لا يكَونُ عالمًا بذَلِكَ الفَن، فإذا تَوَقفَ العلم بأن يكون هذا حُكمَ الله تعالى على معرفة الله تعالى، وثبوتِ الصدق لله تعالى ولرسُولِهِ - عليه السلام - والمقلِّدُ متَى شَك، لَزِمَ من أشكه، الشك في أن هذا حُكمُ الله تعالى؛ فلا بد إِذَن من معرفته لثُبُوتِ الأهلية والرسالةِ وما يتوصل إليها، وزعم أنَّه يكفيه لإحاطة بأحكَام القرآن، وأنها خمسُمِائَةِ حكم. وهذا في غايةِ البُعدِ؛ فإنه مَا استَخرجه العلماءُ مِنَ الكتابِ مِنَ الأدلة لا يكَادُ ينحصرُ لَا سِيما إذا ركب الدليل من مقَدماتِ، يستدل علَى كُل مقدمة بنَص خَاص أو بنص على إحداها، وإجمَاع على الأُخرَى، أو سنة أو عادة، أو عَقل، والحُكمُ يستَنِدُ إلى المجموعِ؛ فإذَن لا بُد مِنَ العلم بجميعِهِ.
ثم قال: يَكفِيهِ من السُّنَّةِ الإِحَاطَةُ بأحاديثِ الأحكامِ فقطَ. وفيه نظر، فقد احتج الشافعي بأن أكثر الحَيضِ خَمسَة عَشرَ يَومًا من قوله - عليه السلام -: "تَقعُدُ إِحدَاكن شَطرَ عُمرِهًا لَا تُصَلِّي"