للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يجز تأويله بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ جهرًا، ولا يسمع أنس، لوجوه ... - وبعد أن ذكر ابن تيمية هذه الوجوه - قال: فتبين أن هذا تحريف لا تأويل، ولو لم يرو إلا هذا اللفظ، فكيف والآخر صريح في نفي الذكر بها، وهو يفضل هذه الرواية الأخرى، وكلا الروايتين ينفي تأويل من تأول قوله: «يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين» أنه أراد السورة، فإن قوله: «يفتتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون «بسم الله الرحمن الرحيم» في أول قراءة، ولا في آخرها «صريح أنه في قصد الافتتاح بالآية، لا بسورة الفاتحة، التي أولها {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إذ لو كان مقصوده ذلك لتناقض حديثاه».

وقال - أيضًا (١) -: «وأما اللفظ الآخر» لا يذكرون» فهو إنما ينفي ما يمكن العلم بانتفائه، وذلك موجود في الجهر، فإنه إذا لم يسمع مع القرب، علم أنهم لم يجهروا ... يؤيد هذا حديث عبد الله بن مغفل (٢).


(١) ٢٢: ٤١٤، ٤١٥، وانظر «الفتاوى الكبرى» ١: ٨٨.
(٢) حديث عبد الله بن مغفل رواه عنه ابنه يزيد، قال: «سمعني أبي وأنا في الصلاة أقول:» بسم الله الرحمن الرحيم «فقال: أي بني، محدث، إياك والحدث- قال: ولم أر أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أبغض إليه الحدث في الإسلام، يعني منه- قال: وقد صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر ومع عمر، ومع عثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقولها، فلا تقلها، إذا أنت صليت فقل: «الحمد لله رب العالمين».

وهذا الحديث أخرجه- النسائي- في الافتتاح- باب ترك الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حديث ٩٠٨، والترمذي- في الصلاة- ترك الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حديث ٢٤٤، وابن ماجه في الصلاة- افتتاح القراءة- حديث ٨١٥، وأحمد ٤: ٨٥، وهذا الحديث ضعيف عند أكثر أهل العلم، فقد ضعفه ابن عبد البر في «الاستذكار» ٢: ١٧٥، فقال: «حديث ضعيف، لأنه لم يعرف ابن عبد الله بن مغفل». وقال الزيلعي في «نصب الراية» ١: ٣٣٢ - ٣٣٣: «قال النووي في الخلاصة: وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث، وأنكروا على الترمذي تحسينه، كابن خزيمة، وابن عبد البر والخطيب، وقالوا: إن مداره على ابن عبد الله بن مغفل، وهو مجهول». وضعفه الألباني في «ضعيف سنن النسائي» و «ضعيف سنن الترمذي»، و «ضعيف سنن ابن ماجه» في المواضع السابقة. ولو صح هذا الحديث فهم محمول- كما أشار ابن تيمية- على ما حمل عليه حديث أنس وهو ترك الجهر. وانظر «الرد على من أبى الحق» ص ٥٩ - ٦٣.

<<  <   >  >>