للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(و) الثانى: (نحو: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١)) فإنه لما كان مما يوهم أن يكون ذلك لضعفهم دفعه بقوله: (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ (٢)) ...

===

ألا يا اسلمى يا دارمىّ على البلى ... ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (٣)

حيث لم يأت بهذا القيد أعنى غير مفسدها قاله السيوطى فى عقود الجمان، وأجاب عنه بعضهم بأن الدعاء والمدح قرينة على أن المراد ما لا يضر، فإن قلت هذا القدر موجود أيضا فى بيت الاحتراس، وحينئذ فلا إيهام قلت: إنهم تارة يعولون على القرينة فلا يأتون بالاحتراس وتارة لا يعولون عليه فيأتون به- كذا ذكر شيخنا الحفنى فى حاشيته، وأجاب ابن عصفور بجواب غير هذا، وحاصله أن مازال فى كلامهم تدل على دوام الصفة للموصوف على حسب قبوله لها لا على سبيل الاستغراق فإذا قلت ما زال زيد يصلى أو ما زال يكرم الضيف فليس المراد استغرق أوقاته، بل المراد اتصافة بذلك فى الزمان القابل لذلك، وعلى هذا فقوله: لا زال منهلا بجرعائك القطر لم يرد به سائر الأوقات، وإنما المراد حيث قبلت ذلك، ولا شك أن قبولها لذلك إنما هو إذا كان غير مفسد لها

(قوله: والثانى) أى: وهو ما كان الدافع لإيهام خلاف المقصود واقعا فى آخر الكلام

(قوله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) هذا صفة لقوم أبى موسى الأشعرى المشار لهم بقوله تعالى فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أى: أذلة لهم، فالقصد مدحهم بما يدل على موالاة المؤمنين ومعاملتهم بما يرضيهم فأذلة من التذلل والخضوع لا من الذلة والهوان

(قوله: فإنه) أى: وصفهم بالذل، وقوله: لما كان مما يوهم أن يكون ذلك أى: الوصف لضعفهم والإيهام نظرا إلى ظاهر لفظ الذل من غير مراعاة قرينة المدح أو نظرا إلى أن شأن المتذلل أن يكون ضعيفا

(قوله: أعزة على الكافرين) أى:

أقوياء وأشداء عليهم، وحينئذ فتذللهم للمؤمنين ليس لضعفهم وعدم قوتهم بل تواضعا منهم للمؤمنين، والتذلل مع التواضع إنما يكون عن رفعة فإن قلت قوله: أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يدل على معنى مستقل جديد لم يستفد مما قبله، فكيف كان إطنابا


(١، ٢) المائدة: ٥٤.
(٣) البيت لذى الرمة فى ديوانه ص ٥٥٩، والخصائص ٢/ ٢٧٨، ولسان العرب مادتى (يا)، (ألا).

<<  <  ج: ص:  >  >>