للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير ظاهرة المعنى، ولا مأنوسة الاستعمال ...

===

بغير الفصيح مع العلم به والقدرة على تبديله مستلزما للجهل بأنه سفه إذ الحكيم إنما يضع الأشياء فى محلها، فظهر لك من هذا أن الإتيان بالسفه نتيجة للجهل بأنه سفه فتكون نسبة السفه داخلة تحت نسبة الجهل، فاندفع ما يقال إن الاحتمالات ثلاثة، فكان الأولى للشارح أن يقول مما يقود إلى نسبة الجهل، أو السفه، أو العجز إلى الله هذا وإنما عبر بيقود دون يسوق؛ لأنه أبلغ فى التشنيع على ذلك القائل؛ لأن القود هو الأخذ من أمام والسوق من خلف، فإذا حصل المحذور من أمام الذى هو أقوى فى إدراك الشيء عادة كان أبلغ فى التشنيع- فتأمل.

(قوله: غير ظاهرة المعنى) أى:

الموضوع له فلا يرد المتشابه والمجمل فإنهما فى القرآن، فيلزم أن فيه الغريب؛ لأنهما غير ظاهرى الدلالة على المراد لله، وأما بالنسبة لمعانيها الموضوعة لها فهى ظاهرة المعنى لسهولة انتقال الذهن منها إليها ثم، إن قوله: غير ظاهرة المعنى تفسير لكونها وحشية، والمراد بعدم ظهور معناها: ألا ينتقل الذهن منها لمعناها الموضوعة له بسهولة

(قوله: ولا مأنوسة الاستعمال) أى: ولا مألوفة الاستعمال فى عرف الأعراب الخلص؛ وذلك لأن العبرة بعدم ظهور المعنى وعدم مأنوسية الاستعمال بالنسبة للعرب العرباء سكان البادية، لا بالنسبة للمولدين والإخراج كثير من قصائد العرب، بل جلها عن الفصاحة، فإنها الآن لغلبة الجهل باللغة على أكثر علماء هذه الأزمان فضلا عمن عداهم لا يعرفون مفرداتها فضلا عن مركباتها، وقوله: ولا مأنوسة الاستعمال عطف سبب على مسبب، ولفظة غير فى قوله: غير ظاهرة المعنى مستعملة فى النفى بمعنى لا بقرينة عطف ولا مأنوسة الاستعمال عليه، لا أنها مستعملة فى معناها الأصلى وهو كونها اسما بمعنى مغاير وإنما أعاد النفى المستفاد من غير كقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (١) تنبيها على أن النفى يتعلق بكل من المعطوفين لا بالمجموع من حيث هو، ثم اعلم أن الغريب قسمان: أحدهما ما نتوقف معرفة معناه على البحث والتفتيش فى كتب


(١) الفاتحة: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>