للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أى: غير المشبه به (نحو: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ (١) ...

الآية؛ إذ ليس المراد تشبيه حال الدنيا ...

===

والحال أنه مقدر، وإنما قدر ذوى الصيب؛ لأن الضمائر فى قوله: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ (٢) لا بد لها من مرجع وليس موجودا فى اللفظ، وإنما قدر مثل ليناسب المعطوف عليه أى: كمثل الذى استوقد نارا. والصيب المطر فيعلّ، من صاب نزل، ويطلق الصيب أيضا على السحاب، فإن أريد به فى الآية السحاب ففيه ظلمتان سحمته وتطبيقه منتظمة بهما ظلمة الليل، وكون الرعد والبرق فى السحاب واضح وإن أريد به المطر ففيه ظلمة تكاثفه وانثجاج السحاب بتتابع القطر مع ظلمة الليل، وأما الرعد والبرق فحيث كانا فى أعلاه ومصبّه ملتبسين به فى الجملة فهما فيه أيضا- قاله عبد الحكيم

(قوله: أى غير المشبه به) أى: مما له دخل فى المشبه به وذلك إذا كان المشبه به هيئة منتزعة وذكر بعد الكاف بعض ما تنتزع منه الهيئة ولا خفاء فى كثرته، فالتقليل المستفاد من" قد" بالنسبة لإيلاء المشبه به ولا بدّ من تقييد الكلام بما إذا كان المشبه به مركبا لم يعبر عنه بمفرد دالّ عليه، وإنما قلنا ذلك احترازا عن نحو قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً (٣) فإن المشبه به مركب لكن عبر عنه بمفرد يلى الكاف وهو المثل أعنى: الحالة والصفة العجيبة الشأن، فالحاصل: أن المشبه به إذا كان مركبا فإن عبر عنه بلفظ مفرد كلفظ المثل فقد ولى المشبه به الكاف وإن لم يعبر عنه بمفرد ولا اقتضى الحال تقديره، بل استغنى عنه بما فى ضمن مجموع اللفظ فلا يكون المشبه به واليا للكاف.

(قوله: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أى: بيّن لهم حال وصفة الحياة الدنيا، فمثل مفعول اضرب (وقوله: كماء) خبر مبتدأ محذوف أى: هى كماء وهو استئناف بيانىّ كأنه قيل: بم أبينه؟ فقيل: هى كماء، وقيل: إن" اضرب" بمعنى اجعل وصيّر، وحينئذ فله مفعولان ثانيهما قوله كماء أى: صيّر لهم صفة الحياة الدنيا شبه ماء أنزلناه .. إلخ


(١) الكهف: ٤٥.
(٢) البقرة: ١٩.
(٣) الجمعة: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>