للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإنّ المسك بعض دم الغزال) (١)

فإنه لما ادعى أن الممدوح قد فاق الناس حتى صار أصلا برأسه وجنسا بنفسه، وكان هذا فى الظاهر كالممتنع- احتج لهذه الدعوى، ...

===

(قوله: فإن تفق) أى: تعل بالشرف والأنام- قيل: هم الإنس والجن، وقيل:

جميع ما على وجه الأرض، وأراد الشاعر الأنام الموجودين فى زمانه ومن تعميم الأنام يستفاد أنه صار بكونه فائقا لهم جنسا آخر بواسطة أن الداخل فى الجنس لا بد أن يساويه فرد منه غالبا

(قوله: وأنت منهم) جملة حالية أى: والحال أنك منهم أى:

بحسب الأصل؛ لأنك آدمىّ بالأصالة فلا ينافى دعوى صيرورته جنسا برأسه

(قوله: فإن المسك .. إلخ) ليس جوابا للشرط الذى هو قوله: فإن تفق الأنام؛ لعدم الارتباط المعنوى وإنما هو علة للجواب أقيم مقامه والأصل فلا بعد فى ذلك؛ لأن المسك .. إلخ أى: إن خرجت عن جنسك بكمال أوصافك فلا بعد فى ذلك ولا استغراب؛ لأن المسك بعض دم الغزال وقد فاقه بكمال أوصافه، فحالك كحال المسك، فالشاعر لما ادّعى أن الممدوح فاق الناس فوقانا صار به كأنه جنس آخر وأصل مستقلّ برأسه، وكان فوقانه لهم على الوجه المذكور مما يمكن أن يدعى استحالته احتجّ لمدعاه بأن حالته مماثلة لحالة مسلّمة الإمكان لوقوعها، فشبه حالته بتلك الحالة فتبيّن أن حالته ممكنة.

(قوله: فإنه) أى: الشاعر وهذا علّة لصحة التمثيل بالبيت لكون الغرض من التشبيه بيان إمكان المشبه.

(قوله: حتى صار أصلا) أى: كأنه أصل

(قوله: وجنسا بنفسه) أى: وجنسا مستقلّا بنفسه، وهذا مرادف لما قبله.

(قوله وكان هذا) أى: ما ذكر من فوقان الممدوح جميع الأنام فوقانا صار به كأنه جنس مستقلّ بنفسه.

(قوله: فى الظاهر) أى: فى بادئ الرأى قبل التأمّل فى الدلالة بل والالتفات للنظائر

(قوله: احتجّ لهذه الدعوى) أى: أقام الحجة أى: الدليل على إثبات هذه الدعوى


(١) البيت للمتنبى من قصيدة يرثى فيها والدة سيف الدولة، ديوانه ٣/ ١٦٥١، والإشارات ص ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>