لأن الكراهية فى السمع إنما هى من جهة الغرابة المفسرة بالوحشية؛ مثل: تكأكأتم، وافرنقعوا، ونحو ذلك، ...
===
قبح الصوت وعدم قبحه لا من ذات اللفظ، وحينئذ فلو احترز عنها لخرج كثير من الكلمات المتفق على فصاحتها، بسبب نطق قبيح الصوت بها.
ورد شارحنا هذا التوجيه بما حاصله أنا لا نسلم أن الكراهة فى السمع وعدمها إنما يرجعان لقبح الصوت وحسنه لا لنفس اللفظ، إذ لو كان كذلك لزم أن يكون الجرشى غير مكروه فى السمع إلا إذا سمع من قبيح الصوت، وليس كذلك للقطع بكراهته دون مرادفه وإن نطق به حسن الصوت، وحينئذ فحصر الكراهة فى السمع على قبح النغم باطل. فتعين ما قاله الشارح من أن الكراهة إنما هى من جهة الغرابة.
(قوله: لأن الكراهة فى السمع إنما هى من جهة الغرابة) أى: لأن الغرابة سبب فيها فالخلوص من الغرابة يستلزم الخلوص من الكراهة، فإن قلت الخلوص من الغرابة كما يستلزم الخلوص من الكراهة فى السمع يستلزم الخلوص من التنافر، ومخالفة القياس فلا حاجة إلى ذكرهما أيضا. قلت: الاستلزام ممنوع؛ لأن مستشرزا وأجلل ليسا بغريبين لعدم احتياجهما إلى التنقير والتخريج على وجه بعيد مع تنافرهما، على أن هذا الاعتراض غير متوجه؛ لأن الأصل ذكر جميع أسباب الإخلال صريحا، ولو كان بعضها مستلزما لبعض، وترك التصريح ببعضها يحتاج إلى توجيه.
(قوله المفسرة بالوحشية) أى: بكون الكلمة وحشية
(قوله: مثل تكأكأتم) هو وما بعده من كلام عيسى بن عمر النحوى حين سقط من على حمار، فاجتمع الناس عليه، فقال لهم: ما لكم تكأكأتم على تكأكؤكم على ذى جنة افرنقعوا، كما قال الجوهرى، وقال الزمخشرى فى الفائق: إنه من كلام أبى علقمة حين مر ببعض طرق البصرة، وهاجت به مرة، فأقبل الناس عليه يعصرون إبهامه، ويؤذنون فى أذنه، فأفلت نفسه منهم، وقال ذلك. فقال بعضهم: دعوه فإن شيطانه يتكلم بالهندية.
ومعنى تكأكأتم: اجتمعتم. ومعنى افرنقعوا: تنحوا
(قوله: ونحو ذلك) أى: مثل قولهم: اطلخم الليل بمعنى أظلم، ولا حاجة له لإغناء مثل عنه