للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقديم، أو تأخير، أو حذف، أو غير ذلك ...

===

اللفظ إن أريد معناه المطابقى وكان غير ظاهر الدلالة عليه فلا يكون التعقيد إلا بخلل فى النظم؛ لأن فهم المعنى المطابقى بعد العلم بوضع المفردات وهيئة التركيب يكون ظاهرا، وإن أريد غيره، فإما أن لا يكون بين المعنى المطابقى وذلك المعنى المراد لزوم، بحيث لا يفهم ذلك المعنى المراد من اللفظ أصلا، فيكون فاسدا لا معقدا؛ لأنه عبارة عن عدم ظهور الدلالة لا عن عدم الدلالة، وإما أن يكون بين المعنى المطابقى والمعنى المراد لزوم ظاهر، بأن كانت القرينة على عدم إرادة المعنى المطابقى ظاهرة، فلا تعقيد أصلا وإن كانت خفية، أو يكون اللزوم خفيا فى نفسه محتاجا لواسطة، حصل التعقيد للخلل فى الانتقال.

(قوله: تقديم أو تأخير) يحتمل أن المراد تقديم اللفظ عن محله الأصلى، وقوله:

" أو تأخير" أى: تأخير لغير ذلك اللفظ فى محل الأول، فعلى هذا بينهما تلازم إذ يلزم من تقديم الشىء عن محله الأصلى تأخير غيره فى ذلك المحل وبالعكس، وأما تقديم الشىء عن محله وتأخيره عن ذلك المحل فلا يجتمعان فضلا عن تلازمهما، وإلا كان الشىء الواحد مقدما مؤخرا فى تركيب واحد وهو لا يعقل؛ وإنما لم يقتصر على أحدهما مع استلزام كل منهما الآخر إشعارا بكفاية ملاحظة أحدهما فى الخلل وإن لم يلاحظ الآخر، ويحتمل أن المراد بسبب تقديم اللفظ عن محله الأصلى الذى يقتضيه ترتيب المعانى أو تأخيره عن ذلك المحل وهما لا يجتمعان قطعا فعلى هذا ليس أحدهما مغنيا عن الآخر، فالجمع بينهما ظاهر.

(قوله: أو حذف) أى: بلا قرينة واضحة؛ فإن وجدت القرينة على المحذوف لم يحصل التعقيد؛ لأن المحذوف مع القرينة كالثابت نحو دنف فى جواب كيف زيد؟

(قوله: أو غير ذلك) أى: كالفصل بين الشيئين المتلازمين بأجنبي، كالفصل به بين المبتدأ والخبر، وبين الصفة والموصوف، وبين البدل والمبدل منه، وقد اجتمعت هذه الفصول الثلاثة مع التقديم والتأخير فى بيت الفرزدق (١) الآتي، ثم اعلم أن


(١) يقصد قوله:
وما مثله فى الناس إلا مملّكا ... أبو أمّه حىّ أبوه يقاربه
-

<<  <  ج: ص:  >  >>