من حيث إنها متفرعة عن الاستعارات الأخر المكنى عنها صارت كنايات عنها، فإن النقض إنما شاع استعماله فى إبطال العهد من حيث تسميتهم العهد حبلا، فلما نزلوا العهد منزلة الحبل وسموه به نزل إبطاله منزلة نقضه، فلولا استعارة الحبل لعهد لم يحسن، بل لم يصح استعارة النقض للإبطال، وقس على ذلك استعارة الافتراس والاغتراف، فإنها تابعة لاستعارة الأسد للشجاع والبحر للعالم، أو أنه لما كانت هذه الاستعارات تابعة لتلك الاستعارات المكنى عنها ولم تكن مقصودة فى أنفسها، بل قصد بها الدلالة على تلك الاستعارات الأخر كانت كناية عنها، وهذا لا ينافى كونها فى أنفسها استعارة على قياس ما عرف من أن الكناية لا تنافى إرادة الحقيقية، فالافتراس مع كونه استعارة مصرحة بها كناية عن استعارة الأسد للرجل الشجاع.
بقى شىء آخر وهو أن ما أفاده كلام صاحب الكشاف من أن المستعار هو اسم المشبه به المتروك مشكل، وذلك أن اللفظ المستعار من أفراد المجاز اللغوى المعروف بأنه الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له والأسد المتروك أمر مضمر فى النفس لم يقع فيه استعمال فى غير ما وضع له، اللهم إلا أن يقال: مرادهم بقولهم فى تعريف المجاز:
الكلمة المستعملة تحقيقا أو تقديرا، فتأمل.
(قوله: وسيجىء إلخ) جواب عما يقال: إن الشارح لم يتعرض فى الاستعارة بالكناية هنا إلا لمذهب السلف ولم يتعرض هنا لمذهب السكاكى فيها، فأجاب الشارح بأن مذهبه فيها سيأتى الكلام عليه فلا حاجة للكلام عليه هنا.
(قوله: وكذا قول زهير) هذا إشارة إلى مثال آخر فيه الاستعارة بالكناية، والتخييلية فيها مما يكون به قوام الوجه الذى هو أحد القسمين السابقين، وإنما أتى به مع تقدم مثال آخر للإشارة إلى أن من أمثلة المكنى عنها ما يصح أن يكون من التصريحية
(١) شرح المرشدى ٢/ ٥٢، ولزهير فى ديوانه ١٢٤، والطراز ١/ ٢٣٣، والمصباح ١٣٢.