للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك بسبب إيراد اللوازم ...

===

الانتقال الذى هو بطؤه سبب لعدم ظهور الدلالة بالمعنى المذكور، وبيان ذلك أن سرعة انتقال الذهن من المعنى الأصلى إلى المعنى المراد سبب فى سرعة انفهام المراد من اللفظ مساو له، إذ لا سبب لها سواها، ولا شك أنه يلزم من انتفاء السبب المساوى انتفاء المسبب، فبالضرورة تنتفى سرعة انفهام المراد بانتفاء سرعة الانتقال، فيكون بطء الانفهام الذى هو عدم ظهور الدلالة ببطء الانتقال الذى هو الخلل، ولا شك أن ذلك الخلل بسبب إيراد المتكلم اللازم البعيد مع خفاء القرينة الدالة على المراد، فصح تعليل عدم ظهور الدلالة بالخلل وتعليل الخلل بإيراد اللوازم البعيدة، إذا علمت هذا فقول الشارح: " لخلل واقع فى انتقال الذهن" أى: لأجل بطء نفس السامع فى انتقالها من المعنى الأول أى: المعنى الأصلى الحقيقى، وقوله: " إلى المعنى الثانى" أى: الذى له نوع ملابسة بالمعنى الأول وهو المعنى الكنائي، أو المجازى، فالمعنى الأول كالإخبار بكثرة الرماد فى قولك- فى مقام المدح: زيد كثير الرماد، والمعنى الثانى الإخبار بكرمه، وحاصل ما فى المقام أن شرط فصاحة الكلام الكنائى أو المجازى: أن يكون المعنى الثانى وهو الكنائى أو المجازى قريبا فهمه من الأصلى، فإن لم يكن كذلك بأن كان المعنى الملابس بعيدا فهمه من الأصلى عرفا، بحيث يفتقر فى فهمه إلى وسائط مع خفاء القرينة، لم يكن الكلام الكنائى أو المجازى فصيحا لحصول التعقيد.

واعلم أن المدار فى صعوبة الفهم على خفاء القرائن، كثرت الوسائط أو لا، لا على كثرة الوسائط فقط؛ فإنها قد تكثر ولم يكن هناك صعوبة فى فهم المعنى الثانى من الأول، كما فى قولهم: فلان كثير الرماد كناية عن كرمه؛ فإن الوسائط فيه كثيرة مع أنه لا تعقيد فيه، وخفاء القرائن وعدم خفائها بواسطة جريان الكلام على أسلوب البلغاء واستعمالهم وعدم جريانه على أسلوبهم واستعمالهم.

(قوله: وذلك) أى: الخلل والبطء.

(قوله: بسبب إيراد اللوازم) أى: المعانى اللوازم أى: إيرادها بلفظ الملزومات، وإنما قلنا ذلك؛ لأن مذهب المصنف فى الكناية والمجاز أن الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللازم، والفرق باشتراط القرينة الصارفة عن

<<  <  ج: ص:  >  >>