للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بحسب الاعتقاد، لكن فى الانتقال منه إلى البلاهة نوع خفاء لا يطلع عليه كل أحد، وليس الخفاء بسبب كثرة الوسائط والانتقالات حتى تكون بعيدة (وإن كان الانتقال) من الكناية إلى المطلوب بها (بواسطة فبعيدة؛ كقولهم: كثير الرماد؛ ...

===

العرض ملزوم لها أى: البلاهة وهى لازمة له فقد انتقل من الملزوم للازم

(قوله: بحسب الاعتقاد) أى: عند من له اعتقاد فى ملزوميته للبليد، فإن قلت: من له اعتقاد لا خفاء بالنسبة إليه ومن لا اعتقاد له لا كناية باعتباره، إذ لا يفهم المراد أصلا، وحينئذ فجعل الكناية فى هذا المثال خفية لا يظهر- قلت: لا يلزم من تقدم اعتقاد اللزوم حضوره حال الخطاب، إذ يجوز أن يكون بعض المعانى المخزونة يدرك لزومه بمطلق الالتفات فلا تخفى الكناية عنها على المتكلم عند دوام إيجادها ولا تخفى على السامع عند سماعها، ويجوز أن يكون إدراك لزومها يحتاج إلى تصفح المعانى والدلالة بالقرائن الخفية الدالة فيحتاج المتكلم فى إيجادها إلى تأمل والسامع فى فهمها إلى روية وفكر، وما هنا من هذا القبيل فافهم.

وظهر من هذا أن اعتقاد لزوم البلادة لعرض القفا ليس مشتركا بين الناس، بل قد يخص به واحد دون آخر، إذ لا سبيل إليه إلا بعد التأمل، فإن قلت: كون عرض القفا كناية عن الأبله بلا واسطة لا يظهر؛ لأن الأطباء يقولون إنما استلزم عرض القفا البله؛ لأنه يدل على قوة الطبيعة البلغمية المستلزمة للبرودة المستلزمة للغفلة والبله قلت:

ما ذكر تدقيق لا يعتبره أهل العرف ولا يلاحظونه، وإنما ينتقلون منه أولا إلى الأبله وحينئذ فكون عرض القفا كناية عن البله بلا واسطة واضح باعتبار العرف؛ لأن اللزوم بينهما متقرر حتى قيل إنه الآن لا خفاء فيه أصلا وأن الخفاء المذكور فيه لعله باعتبار العرف القديم

(قوله: لا يطلع عليه) أى: لا يدركه كل أحد وإنما يدركه من أعمل فكرته ورويته حتى اطلع على الملزومية واعتقدها.

(قوله: وليس الخفاء إلخ) دفع به ما يتوهم من قوله: لا يطلع عليه كل أحد أن ذلك بسبب وجود كثرة الوسائط

(قوله: إلى المطلوب بها) أى: وهو الصفة

(قوله: فبعيدة) أى: فتلك الكناية تسمى فى الاصطلاح بعيدة وذلك لبعد زمن إدراك المقصود

<<  <  ج: ص:  >  >>