للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وفيه نظر) لأن كلا من كثرة التكرار، وتتابع الإضافات إن ثقل اللفظ بسببه على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بالتنافر، وإلا فلا يخل بالفصاحة؛ ...

===

صوت المحبوبة فلا يحسن فى نظر العقل طلب تصويتها؛ لأنه يفوت سماعها، بل اللائق طلب الإصغاء، فكان الواجب على الشاعر أن يقول: اسمعى أو اسكتى أو انصتى، فقبلت الشهادتان، فإن قلت: شهادة العقل لا تقبل إلا لو كان الغرض بسجعها سماع تصويتها، ويمكن أن يكون الغرض بسجعها إظهار نشاطها وطربها برؤية المحبوبة وسماع كلامها كما يحصل للبلابل عند رؤية الأزهار وسماع الأوتار: فهى شهادة مجروحة.

وقد وجد فى البيت ما يدل على أن الغرض من التصويت ما ذكر، وهو ضم الرؤية إلى السماع وجعلهما من أسباب الأمر بالتصويت أيضا، ولا شك أن الرؤية لسعاد لا تصلح سببا لسجع الحمامة، وإنما تصلح سببا لظهور النشاط، فالعقل شاهد عليه لا له، والمعنى: اسجعى أيتها الحمامة، فإن الدواعى للنشاط والطرب موجودة، وهى مشاهدة تلك المحبوبة- التى تفوق الأزهار فى النضارة، وسماع صوتها الذى يعلو على صوت الأوتار، وأجيب بأن معنى شهادة العقل بفساده أنه يحكم بفساد توجيه مخالف للنقل، وعنه مندوحة على أن ضم الرؤية إلى السماع يصلح؛ لأن يكون سببا فى الأمر بسجع الحمامة لأجل سماع صوتها؛ لأن السماع مع الرؤية ألذ وأتم من السماع بدون الرؤية- فقول المعترض وقد وجد فى البيت إلخ، ممنوع- تأمل. (وقوله: وفيه نظر إلخ) حاصله أن ذلك القائل يدعى أن كثرة التكرار وتتابع الإضافات مخل بالفصاحة مطلقا، فلا بد من الخلوص منها.

وحاصل الرد عليه: أنا لا نسلم ذلك الإطلاق، بل الحق تقدم أن تنافر الكلمات عبارة عن كونها ثقيلة على اللسان عند اجتماعها، وإن كانت فصيحة، وإن لم يحصل للفظ ثقل بسببهما فلا يخلان بالفصاحة، وذلك لأن إخلالهما إنما هو من جهة ما يحصل بهما من الثقل، فإذا انتفى ذلك انتفى الإخلال؛ لأنه يلزم من نفى السبب المساوى نفى المسبب، وحيث كانا لا يخلان فلا يصح الاحتراز عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>